وعندما طرقنا الباب فتح ...
وعندما طرقنا الباب فتح، كانت سابا الجميلة ذات العينين الذكيتين تقف أمامنا وعلى وجهها ابتسامة ترحيب دافئة بها سحر غابات البن وعبق الجنزبيل. قالت: تفضلوا، ثم أضافت بحرارة متى جئت هنا يا آدم؟ سمعنا أنك بالبلاد المجاورة؟ متى حضرت للبلاد؟
لم تكن نوار في ذلك اليوم بالمنزل، فكما أخبرتنا سابا كانت تبحث عن سائق لعربتها التي اشترتها في بداية هذا الأسبوع، وأضافت: عربة لاندكروزر ربع نقل. قلت في تعجب: إن نوار سعد تحتاج إلى عربة صالون رقيقة وليس شاحنة! - لقد أبديت لها نفس الملاحظات، ولكنها قالت في بلاد شوارعها من الطين والحفر لا تنفع فيها مثل هذه السيارة، كما أنها كثيرة الأسفار إلى مناطق الآثار بالصحراء والأماكن الوعرة، المهم أنت تعرفين نوار سعد جدا عندما ترغب في شيء فإنها تلحق به كل محاسن الدنيا؛ ثم أضافت: يبدو عليكم الإرهاق والتعب، الصالون بارد وهادئ ويمكنكم النوم إذا شئتم إلى أن أعد لكم الغداء. قد تأتي نوار بين حين وآخر.
وقال آدم إنه يريد أن يستحم. قلت: سأساعدك في إعداد الطعام. - إنه شبه جاهز. صمتت قليلا، ثم أضافت: لقد قمنا أنا وأمين بإعداده ... قال ثلاثتنا بصوت واحد مما جعلها تنتفض رعبا: أمين! أين هو؟ قالت وهي تحاول أن تكون عادية: إنه في المطبخ، لقد حضر قبلكم بساعة تقريبا أو أكثر قليلا، ولأنه ليس لديه ما يشغله في انتظار نوار فاقترح أن يساعدني في صنع الغداء ... وقد قام بطبخ السمك، إنه طباخ ماهر!
كانت مفاجأة لنا بلا شك، ربما كانت مفاجأة سارة لنا، ولكنها قد تكون غير سارة بالنسبة لسابا وأمين، ولكن عندما دخل «إلينا» أمين في الصالون بعد لحظات استطاع أن يقنعنا بأنها مقابلة سارة بالنسبة له أيضا أن يجدنا هكذا كلنا كتلة واحدة ومعنا آدم، ثم أخذ يمطره بالأسئلة. - الحياة في البلاد المجاورة، الحرية في البلاد المجاورة، الشعر، البنيات، الدراسة بكلية الفنون العريقة ... نساء وسط المدينة، الكتب، أمل دنقل، الشيخ إمام، درويش الأسيوطي، كريمة ثابت، محمود مختار، الجماعات الإسلامية، محمد عبد المعطي حجازي، إدوارد الخراط، جامع الحسيني، أبو الهول، سجن القلعة، ليمان طرة، سجن العامرية، روكسي، فتيات روكسي وهن في الميني جيب والميني ماكس، وهن في الشادور والجينز، وهن في النقاب أو عاريات ...
هن يعشقن، هن يبكين، يعلبن الورق يعطين المواعيد، يذهبن لصلاة الجمعة، يغنين، يدخلن كنيسة القديسة سانت ماريا بمصر الجديدة ... يذهبن للسينما أو حفلات نادية مختار، بنيات روكسي الجميلات كيفما وأينما كن. قال أمين سائلا: متى ذهبت للبلاد المجاورة؟ - لم أذهب إليها أبدا، ولكنني قرأتها في رواياتهم وأشعارهم وأيضا لوحاتهم وقصصهم القصيرة.
استحم الجميع ونام آدم، أما سارة فالتقطت كتابا من مكتبة نوار عن أسلوب دفن الموتى في مروى القديمة، وأخذت تقرؤه وهي راقدة على سرير مريح قرب النافذة، أنا وأمين استغرقنا في لعب الشطرنج، بينما كان صوت الحبشية سابا يأتينا من المطبخ محمولا على رائحة الثوم والفلفل بالأغنيات الحبشية الدافئة، مرحا وحلوا.
عندما دقت ساعة الحائط الكبيرة المعلقة بالصالون معلنة الثالثة تماما، توقفت عربة اللاندكروزر أمام المنزل، وبعد لحظات دخلت نوار سعد الصالون، وعندما رأت ما رأت أخذت تصيح: هل أنا في حلم؟! من أين تجمعتم اليوم، وكيف تجمعتم؟ ومتى حضرت يا أيها الآدم؟ استيقظ أريدك صاحيا.
ثم أخذت ترمي بنفسها في أحضان الأصدقاء واحدا واحدا، وعندما جاء دور أمين نظرت إليه بمكر قائلة: بالتأكيد، إنك لم تأت معهم؟ قال ضاحكا : بل هم الذين لم يأتوا معي.
بعد الغذاء قال آدم لنوار: وجدنا خيطا متينا إلى قبر حافظ، ونحتاج لخبرتك في التربة وعرفنا للتو أن لديك عربة، هل فهمت؟
صفحه نامشخص