113

حدثني مرة أخرى عن زوجته، وقال: إنه أخبرها وهما في سوريا عن هذه البلاد وعنا، والنهر، والغابة، وبيته، وشجيرات الباباي، والعرديب، والكهوف الطبيعية الساحرة، والبشر ذوي الروح المرحة الحرة، وعن التسامح الديني، عن الحفلات، عرق العرديب ، وكانت دائما ما تقول: أشتاق لكأس من العرديب، لا بد أن سكرته شيطانية!

قال: إنها سيدة ذات روح مرحة قبل أن تهبط بنا الطائرة في المطار، قبل أن نعبر شوارع المدينة، النائمة في الوحل والقاذورات، المحصورة كجيش من الذباب ورائحة الفضلات، قبل أن ترى البيت وقد توحشت حديقته، وماتت أزهار النريم والورد الإنجليزي وباباياته وخرست بئر الموسيقى، وعطبت النافورة وبنى الوطواط في صالة الموسيقى، وفي الحمام، وغرف النوم أعشاشه ... قبل أن ترى تمثال مداح المداح الغارق في التراب، وكمنجته المهشمة المدفونة هي الأخرى في الأرض ... ومات حماسها وتشوقها، فأنت تدركين كم تبدلت البلاد كأنما تبول على مآذنها وبيوتها وشوارعها وحش أسطوري مخلوق من اللعنة والتشرد ... أين الناس؟ أين الطلاب والكهوف الجميلة؟ أين الله؟ فقد كنا نراه بين أزقة المدينة، في عيون أطفالها المشاغبين، وكنا نراه في شموخ أشجار العرديب، وفي خصوبة الرياح الجنوبية الغربية المحملة بالماء الطيب والحنطة، ونراه أيضا في سحر البنيات الخجولات ووضوح نوار!

أسفا على البلاد، على شارع الحرية الذي يربط بين المطار وطريق الغابة السريع، أسفا على الناس.

زوجته المغنية

قدم مايا ...

قدم مايا العزيز استقالته من عمادة كلية الفنون، حزم حقائبه على عجل، طلق زوجته المغنية الجميلة سلام قبل أن تقلع به الطائرة إلى روسيا.

لم.

لم يودع مايا أحدا، ما من أحد ودعه مايا!

الرسائل

رسالة ...

صفحه نامشخص