قال المختار بصوت واهن تعب: كلنا يود أن يلتصق أكثر بذاته، ثم أضاف وهو يتنهد بعمق: لا، لست أدري، إن كنت قويا كما في الماضي ... هل يمكنني مقاومة الرغبة في الاستسلام؟ قالت نوار مندهشة: الاستسلام! - الاستسلام، نعم، الاستسلام لغرائزي وشهواتي ... لمخالب نفسي وشياطينها. - ألم تتخلص من ذلك؟ قال في يأس وبؤس: لا، لم أتخلص من شيء، أخيرا وجدت نفسي في قفص الألم، كانت معي دائما ولكني كنت أكبتها وأتستر عليها وأزجرها إذا دعا الأمر ... ولكني أبدا ما كنت تقيا، أبدا، ثم قص علينا أشياءه ونام.
وشرسة كنمرة
كانت نوار تحكي ...
كانت نوار تحكي عن زوجة مايا وهي لا تتمالك نفسها من الضحك من وقت لآخر. - إنها جميلة وشرسة كنمرة غيورة كدجاجة بلدية ...
قالت أيضا: لقد ذهبت إلى زيارة مايا العزيز، ونسيت تماما مسألة زوجته المغنية سلام، فعندما طرقت الباب خرج، ودون أن أشعر وجدت نفسي أحتضنه بلهفة وتشوق، ولكنني أحسست به باردا كالثلج أو حذرا وخائفا، تعجبت! ولكن عندما انتبهت للمرأة الجميلة الغاضبة الواقفة خلفه مباشرة متكئة على الباب؛ استدركت أن مايا العزيز لم يعد مايا العزيز، وانتابني إحساس بالمرارة، وأيضا بالعار، لا أدري ... العار ... لماذا؟!
مددت لها يدي مصافحة، قالت وهي تمد يدا فاترة: لقد التقيتك من قبل. ألست أنت نوار سعد؟
النهايات
التقيت مايازوكوف ...
التقيت مايازوكوف بالجامعة وكان تعبا ومرهقا كجواد يحمل جبلا من الرصاص كجواد يموت، يلبس قميصا من القطن أبيض وبرأسه «كاب شمسي» وكان قصيرا ممتلئا باللحم والعصب، ومأساة باردة ولكنها في أوج النضج، قال : إن ما قضاه من زمن بعيدا عن هذه البلاد الكبيرة كان زمنا مشحونا بالحرقة والتشوق، ولكنه الآن وقد عاد إلى البلاد الكبيرة أيضا يملؤه الإحباط والتشاؤم؛ ثم حدثني عن زوجته «سلام» وقال إنه تعرف عليها عن قرب في بيت صديق له في عيد ميلاد زوجته، ثم التقاها مرة أخرى في بيته الخاص، ثم لم يفترقا منذ ذلك الوقت، قال: إنها تشبه مداح المداح في كثير من الأوجه، يكفي أنها مغنية وأنها سورية تعشق الترحال، ثم ابتسم وأضاف: إنها كانت إحدى عشيقات مداح المداح الألف امرأة، وإنها المرأة الوحيدة التي كادت أن تنجب له طفلا. قلت مندهشة: هل أجهضت الطفل؟ قال: لا لم تجهضه؛ لأنها لم تحبل في الواقع. فقط أحست هي برجولته، وفي أعماقها تحرك وحش لطيف اسمه الأمومة، ولكن مداح المداح نفسه هو الذي اغتاله. هل فهمتي؟ لقد كان يضاجعها فحسب، وما كان يستطيع أن يعطيها من وقته غير الفراش، فلقد كان مشغولا في كل الأوقات، قلت: أنت تعرف كل هذا الماضي، فكيف تزوجتها بالرغم من علاقتها بمداح المداح صديقك؟!
قال ضاحكا وقد كنا في الكافتريا الخاصة بكلية الفنون حينها: كما ترين لم أك مشغولا مثل مداح المداح، ثم قال وقد جاءه النادل بالقوة: أنا بشر، وأنت بشر وهي أيضا، كما مداح المداح، ولسنا آلات صماء وضعت لأداء شيء بعينه، الحب والتواصل الإنساني الخفي، تحبين المختار وتتزوجين غيره، وتحبين محمد آدم و... ألا تشعرين بوخز الضمير؟ قلت: أولا تعرفت على المختار بعد الزواج ... والزواج ذاته لم يتم برغبتي، فلقد تزوجت وأنا في الرابعة عشرة من عمري من رجل ما أزال أكرهه وأتهمه بقتل شخص عزيز لدي، طفل كنت أحبه. - هل قتله بنفسه؟ - لست أدري، ولكنه بطريقة أو بأخرى ولو كان بقلبه ...
صفحه نامشخص