[شجاعته وبعض حروبه]
وكان رضي الله عنه شجاعا بطلا مقداما نجدا قويا أيدا، شديد البطش، لم يكن في زمانه له شبيه ولا نظير، ولا في البأس والنجدة مثيل، ولا عديل، وله وقائع مشهورة، وأيام معروفة ومقامات محمودة، وحروب معلومة، قتل فيها صناديد الفرسان بيده، وهزم الجمع الكثير، والجم الغفير بالقدر اليسير، وله ضربات مشهورة قد ذاع نبؤها، وشاع خبرها في القريب والبعيد، ضرب رجلا من بني الحارث بن كعب في بعض أيامه بسيفه في وسطه فقده نصفين، وطعن فارسا في بعض حروبه في ظهره وعليه الدرع فأنفذ السنان من صدره ووصل إلى قربوس سرجه فهشمه وحطمه.
وتداعت في بعض مغازيه عليه جماعة لا تحصى كثرة من بني الحارث وغيرهم وهجموا عليه، وهو غار غافل وهو في دار من دور قرية تعرف بهجر في نجران فتفرق عنه أصحابه وخذله أكثرهم ولم يبق معه إلا نفر من المهاجرين من أهل طبرستان من الكلارية والديالم، فلبس سلاحه وركب فرسه وأمر بفتح باب الدار وخرج منها فحمل على القوم، فضرب رجلا فأبان رأسه عن جسده، وطعن آخر فنكسه صريعا، وطعن آخر فألقاه على عنق فرسه، فأفرجوا له حتى توسط جمعهم فاعتورته الرماح وأخذته السيوف، فخرج من بينهم وقد أصابته جراحات، ثم عطف عليهم وحده، فاستقبله رئيس القوم مبارزا له حنقا عليه فضربه بسيفه، ضربة على عاتقه، وعليه الدرع فقده حتى وصل السيف إلى حشوة بطنه فخر ميتا، وثابت إليه جماعة من أصحابه لما عاينوا ثباته ومقاومته وحده مع ذلك الجمع الكثير، وثبتوا معه فمنحه الله أكتاف عدوه فانهزموا ما بين قتيل وأسير.
وبلغني أنه رضي الله عنه قال بعد ذلك: لما ضربت رئيس القوم تلك الضربة رفعت سيفي عنه لأضربه فوجدت ريح الضربة، فعلمت أن الله قد قتله وقويت بذلك منتي وأفرغ الله علي الصبر «وأيدني بالنصر» وانهزم العدو، وله رضي الله عنه سوى ما ذكرت مواقف كريمة ووقائع في أعداء الله مشهورة لاتحصى كثرة.
صفحه ۵۲۰