تتمة البیان در تاریخ افغانان
تتمة البيان في تاريخ الأفغان
ژانرها
وأما كيفية حكومة الأفغانيين: فالحكومة الأفغانية حكومة استبدادية مطلقة، ولكن لها نوع مشابهة بالحكومة الشوروية؛
2
لأنها لا يمكن إبرام أمر مهم فيها إلا بمشاورة رؤساء القبائل، وهي مؤلفة من أمير، وهو سلطان البلاد، ووزير، وهو بمنزلة الصدر الأعظم، و«مستوفي الممالك»، وهو بمثابة ناظر المالية والداخلية معا في سائر الحكومات، و«خازندار» وهو الذي يناط به حفظ النقود الأميرية، و«إيشيك أغاسي باشي» وهو الذي ترفع إليه عرائض المشتكين ويفصل الدعاوي بين المتخاصمين بأمر الأمير، وولاة، وغالب هؤلاء الولاة من العائلة السلطانية ويلقبون بالسردار، وجنرالات وهم رؤساء العساكر، وبعض هؤلاء السردارين، وكتوالين وهم الشحنة، «أي ضباط البلد» ويوجد في كل بلد مستوف نائب عن «مستوفي الممالك» وهو لضرب الضرائب وجمع الأموال الأميرية، ومأمورون، وجباة.
وأمير الأفغان ليس له أبهة ملوك الشرقيين وجلالتهم، بل يجلس في ديوان الحكومة المسمى عندهم «دربار» على النمارق الفارسية، مع أعيان الحكومة، ولا يتميز عنهم إلا بمتكأ يوضع بجانبه، ولا يمنع الحاجب والبواب أحدا من الدخول عليه حتى أسافل الناس، ولكل واحد من أهالي البلدان أن يرفع شكواه إليه مكلما إياه مشافهة، رافعا صوته بدون خجل ولا مبالاة، وهكذا سائر الولاة مع الرعية في الولايات، نعم، إنه يقف أمام الأمير كثير من الخدم متسلحين بالسيوف والخناجر مهيئين لإجراء الأوامر والنواهي، ويركب في محفة تحملها أعناق الرجال تارة وفي هودج محمول على الأفيال أخرى، ويجلس مع الأمير في ديوان الحكومة «خان منلا» وهو قاضي القضاة لفصل الدعاوي الشرعية ويجلس أيضا مع كل وال قاض، ولا يجوز للأمير ولا لأحد من الولاة أن يتداخل في الأمور الشرعية، ولا يوجد للحكومة الأفغانية قانون سياسي وإنما الحل والعقد وفصل القضايا وتعيين الجزاء وتحديد العقاب وضرب الجزية «أي الجزاء النقدي» والحبس والضرب والطرد موكول برأي الأمير، وسائر الولاة يفعلون على حسب ما يتراءى لهم «ولا شك أن هذه الطريقة لا تخلو من الغدر والظلم في كثير من الأحيان» غير أن العقاب بالمثل وقطع اليد والرجل قلما يقع في تلك البلاد، وأما القتل سياسة فلا يقدم عليه الأمير جهارا إلا إذا اتفقت معه آراء كبراء قبيلة من أراد الأمير قتله خوف الفساد وخشية التعصب وإثارة الفتنة، نعم، إن الأمير كثيرا ما يفعل بعظماء عائلته أفعالا شنيعة كالقتل والسمل وغيرهما من الفظائع؛ لعدم من يقوم بنصرهم ويأخذ بثأرهم، وكثيرا ما يصادر الأمير أموال الوزراء إذا غضب عليهم أو أحس منهم بسوء، وهكذا يفعل الولاة من العائلة السلطانية مع المستخدمين في الولايات للسبب عينه، ولا ينجو أرباب الغنى من التجار والزراع من هذه البلية، وللأمير أن يتصرف في الخزينة الأميرية كتصرفه في مطلق ماله كيفما يشاء، وليس لأحد حق المنع والردع، بل لا يخطر ببال شخص ما أن الأموال الأميرية ليست من ممتلكات شخص الأمير وأنه لا يجوز لأمير ما أن يتصرف فيها إلا بالمقدار الذي يجوزه القانون وترضى به الأمة.
ولعدم معرفة الحكومة الأفغانية بواجباتها، وعدم وجود قانون يجبرها على موجبات الإصلاح ، تراها غير مهتمة بتأمين السبيل وإصلاح الطرق ومنع قطاع الطرق وحفظ القوافل ووقاية السابلة، حتى إن القافلة إذا أرادت أن تذهب من بلد إلى بلد فلا يمكنها ما لم تكن مؤلفة من مائتين متسلحين بالسيوف والبنادق كأنهم جيوش حربية مستعدون للطعن والنزال لا للبيع والشراء؛ ولأجل هذا قلت التجارة في تلك البلاد، وصار سوقها كاسدا، ويوجد في بعض البلاد الأفغانية محتسب لدفع الموبقات، وإن الحكومة الأفغانية تشبه أن تكون حكومة عسكرية؛ لأن جميع أرباب المناصب الملكية والعلمية وكل المستخدمين من الوزير إلى الكاتب المسمى عندهم «ميرزا» ومن قاضي القضاة إلى أدنى نائبه تقيد أسماؤهم في الدفاتر العسكرية وتكون مرتباتهم الشهرية على حسب ما يوجبون عليهم إحضاره في المحاربة من الفرسان للمقاتلة والمناضلة، مثلا يقرر لقاضي القضاة مرتب مائة خيال، فيجب عليه أن يحضر في جميع المحاربات مصحوبا بما فرض عليه من الفرسان متسلحين بأسلحتهم، وإن الحكومة تلزم مشايخ القرى والقصبات بجمع عساكر النظام من أرباب العقارات والضياع فيقدم المشايخ رجالا على حسب ما يتراءى لهم من غير قانون ولا ضرب قرعة، وليس لمدة العسكرية حد معين، وإذا كان العسكري تحت السلاح فراتبه الشهري ست روبيات بلا تعيينات يومية، وقد يحصل التأخير في أدائه، ولها أن تجمع في أوقات المحاربة من سكان البوادي وأهل القرى على حسب كثرتهم وقلتهم مشاة تسمى عندهم «خاصة دار» وفرسانا تسمى أوپره سوار «بالباء الفارسية»، وهي التي تقوم بمئونتهم مدة المحاربة وغالب هؤلاء الفرسان من الجمشيدي والأزبك، والإمارة الأفغانية وراثية، ولكن لا يشترط أن يكون الوارث أكبر أولاد الأمير، فله أن يجعل من يشاء من أولاده ولي عهده، ومع ذلك لا تخلو الإمارة الأفغانية من التقلقل؛ لشدة حرص الطامعين وكثرة شره المفسدين الذين لا يألون جهدا في السعي للتغلب عليها، ولا توجد معاهدة دولية بين هذه الإمارة وسائر الحكومات، وإنما تقرر بعض من الشروط بينها وبين الحكومة الهندية الإنجليزية في الزمان السابق.
والأموال الأميرية في تلك البلاد قسمان: قسم يؤخذ من أرباب الزراعة وأصحاب البساتين ومقتني المواشي، وهذا القسم يشبه أن يكون زكاة شرعية، وقسم يؤخذ من أرباب الدكاكين والصنائع ومن كل ذكر من طائفة الغلجائي يكون عمره خمس عشرة سنة «ضربت على كل ذكر من طائفة الغلجائي روبية جزية عليهم وإذلالا لهم تؤخذ منه كل سنة منذ انتقلت السلطنة منهم إلى العبدل قبيلة الأمير الحالي» ومن أرباب الجنايات جريمة، ومن البضائع الواردة إلى البلاد الأفغانية باسم «الجمرك» والرسم الذي يؤخذ بهذا الاسم لا يتقيد بحدود البلاد، بل يؤخذ في كل مدينة وقصبة، ولما كان سكان الجبال غالب الأوقات في حال التمرد والعصيان، فلا يمكن استحصال الأموال منهم إلا بالقوة الجبرية وإرسال الكتائب من العسكرين، ولتوالي الفتن في البلاد الأفغانية واستمرار عصيان القبائل فلا يمكن بيان المعدل الحقيقي للأموال الأميرية، ويظن أنها لا تزيد عن مليون ونصف من الجنيهات، ولا تنقص عن مليون وربع، وهذا المبلغ يصرف في مرتبات العائلة السلطانية. واللغة الرسمية عند الحكومة هي اللغة الفارسية، ومن عادات الأمراء الأفغانيين أن يخرجوا يوم عيدي الأضحى والفطر في موكب عظيم للصلاة خارج البلد، وبعد أدائها تضرب المدافع والبنادق ويتسابق أمامهم الفرسان على الخيول الجياد، ثم بعد عودهم يجلسون في الديوان وتمد الموائد وترد عليهم الناس أفواجا للمعايدة.
خاتمة الكتاب
في ذكر أحوال البلاد الأفغانية إجمالا من حيث الأهوية والأبنية والمزارع والصناعة والتجارة والمعادن
إن البلاد الأفغانية، لاختلاف أبعادها عن خط الاستواء، ووجود الجبال العالية والأودية المنخفضة فيها، تختلف أهويتها حرارة وبرودة على حسب المواقع، وتتغير بتغير الفصول والأزمان، ولكنها جيدة للصحة؛ لخلوها من العفونة والفساد، وقلما تقع فيها الأمراض الناشئة عن فساد الهواء كالأمراض الوبائية، وبيوت المدن والقرى طبقة واحدة مبنية غالبا باللبن، خالية عن الزخرف والزينة إلا مدينة كابل، فإن جل أبنيتها بالأخشاب والأحجار وقد يوجد في بعضها حدائق وجداول وحياض، وشوارعها وأزقتها ضيقة معوجة خلا شوارع مدينة قندهار، فإنها واسعة مستقيمة، والجوامع المشيدة المزخرفة التي كانت في تلك البلاد في الأزمنة السالفة صارت بسبب توالي هجمات الأعداء ودوام المحاربات خاوية على عروشها إلا القليل منها، وأما ما يوجد منها الآن فإنها خالية من الإحكام والمتانة، عديمة الزخارف والزينة، وتحيط بالمدن والقصبات أسوار عليها أبراج على الطراز القديم لا تقاوم المدافع وإنما هي سد لهجمات الفرسان، نعم، إن لكل من مدينة هرات ومدينة كابل مناعة فإن الأولى مسورة بسور محصن بأتربة تمنع تأثير أكر المدافع، والثانية محاطة بجبال عليها أبراج واستحكامات يمكن بها مدافعة العدو زمنا طويلا.
وأراضي الأفغان قابلة لأنواع المزروعات ترويها أنهر ونهيرات، ولكن لكثرة الفتن وعدم مهارة الأهالي في فنون الزراعة وإحكام الجسور، وحفر الترع، وبناء القناطر، تكون غالب الأراضي معطلة وتذهب الأنهر في الأودية والأراضي المرملة بلا انتفاع يعتد به، ومع ذلك فالأهالي يزرعون البر والشعير، والأرز والذرة، والدخن والباقلة، والحمص والبقول، والخضراوات، وغيرها مما يقوم به معيشتهم، ولا يهملون زرع قليل من القطن والتنباك والأفيون والحشيشة للتجارة، ويسعون بقدر طاقتهم في غرس الأشجار وتربيتها، كالكرم والخوخ، والمشمس والكمثرى، والتفاح والسفرجل، والرمان والجوز، واللوز والعناب، والفستق والتوت وغيرها، وأهالي هرات يربون دود القز، ويزرع في جلال آباد قصب السكر، ويوجد في بعض الجبال الأفغانية كثير من الصنوبر والمصطكي والفستق البري والجميز، وكل الفواكه الموجودة في تلك البلاد في غاية الجودة.
صفحه نامشخص