تتمة البیان در تاریخ افغانان
تتمة البيان في تاريخ الأفغان
ژانرها
وفي صبيحة الثالث عشر من شوال رأى الأفغانيون أن قد قل عدد رجال الإنجليز، فطافوا بهم فقتلوا بعضا، وأسروا بعضا آخر، ولم ينج من يد الأفغان إلا «دكتر بريدون» ففر، ولحق بجلال آباد، وأخبر رأسا الإنجليز بالواقعة، «كأن الأفغانيين علموا أن لوث حيل المحتال، ودرن مكره، وأوساخ خداعه لا يطهرها إلا دمه المهراق، وأن عين الطامعين لا يملؤها إلا تراب القبور، فأراقوا دماء الإنجليز، وجعلوا شعاب جبالهم قبورا لقتلاهم، وأذاقوهم مرارة نقض العهود.»
وعاد محمد أكبر خان بالأسراء من الضباط والنساء والأطفال والجرحى إلى كابل، وهذا ما انتهى إليه حال جيش كابل الإنجليزي، وأما الجيش الإنجليزي الذي كان في مدينة قزنة، فقد أصيب به الجيش الأول فهلك بعض من الجوع والبرد، وقتل بعض بحد سيف الأفغانيين، وأسر الباقي، ومكثوا في الأسر شهورا، ثم أرسلوا إلى كابل، فاستقبلهم محمد أكبر خان وأكرم مثواهم واجتمعوا هناك بميجر بتنجر، وبعد هذه الواقعة رد محمد أكبر خان للضباط سيوفهم ومنحهم بعضا من الدنانير، وكان يتعطف على النساء، ويتلطف بالأولاد، ثم اتفق أنه قتل «شجاع الدولة خان الباركزاي» شاه شجاعا، فحصل الهرج والمرج بين الأفغانيين وتحزبوا أحزابا، وتفرقت كلمتهم، وتنازعوا الملك، وتقاسمه أمراؤهم. فعسكر محمد خان خارج المدينة وانضم إليه «فتى جنك» ابن شاه شجاع.
وفي أثناء هذه الفتن قدم الجيش الإنجليزي الذي كان متحصنا زمن الشتاء في قندهار، إلى كابل، وانضم إليه بعض من المدد، ووقع بينه وبين محمد أكبر خان بعض مناوشات، وآل الأمر بعدها إلى المسالمة، وأطلق سبيل أسرى الإنجليز وتعهد الجنرال «بولوك» بإرسال الأمير دوست محمد خان وعائلته إلى أفغان، ولما رأت العساكر الإنجليزية تفرق كلمة الأفغانيين وتشتتهم وعدم وجود من يضارعهم في المقاومة والمغالبة تطاولوا على البلاد وأحرقوا «جهارته» «السوق الشهيرة الموجودة من عهد أورنك زيب التيموري سلطان الهند وكانت من أبدع الأبنية، وفيها عقود متتالية، يبلغ طولها ستمائة قدم، وعرضها ثلاثين قدما. وكان على جدرانها النقوش المزخرفة والتصاوير الأنيقة، وقد علق الأفغانيون فيها جثة الوزير المختار سير وليم.» وزحفوا على قرية استالف، وقتلوا من بها من الرجال والنساء صغيرا وكبيرا صحيحا وجريحا، واعتصم محمد أكبر خان وأهل مدينة كابل بالجبال وقتئذ، ولما انتقمت العساكر الإنجليزية من الأفغانيين على زعمهم، قفلوا إلى الهند مسرعين فرارا مما عساه أن ينزل بهم.
وبالجملة فإن طمع الشاه شجاع في السلطنة قد ساقه إلى البحث عن حتفه بظلفه، وإن حرص إنجلترا على تملك بلاد الأفغان وشغفها بها أوجب أن تكون مساكنها فيها قبور أجسامها، وإن صيانة الأفغانيين لجرحى الإنجليز ونسائهم وأولادهم، وإن قتل الإنجليز لنساء قرية استالف وأولادها ومرضاها قد أبان للعالم السجايا الشريفة غير المكتسبة التي لم يدنسها طول المكث في الجبال والأودية والطبائع الخسيسة التي لم تهذبها العلوم والمعارف ولم يطهرها زلال التربية.
ثم أطلقت الإنجليز الأمير دوست محمد خان من الأسر، فرجع إلى كابل، واستولى عليها وعلى جلال آباد وما يجاورها من البلاد، وأما كهندل خان أخو دوست محمد خان الذي بينا سابقا أنه قد التجأ مع إخوته إلى شاه إيران فإنه لما سمع أن العساكر الإنجليزية قد أخلت مدينة قندهار، جهز جيشا صغيرا بإعانة الشاه، وسار به إلى قندهار، وبعد مناوشات يسيرة وقعت بينه وبين بعض من السدوزائية دخلها، وتم نفوذه في أقطارها، وقد وقع بينه وبين الأمير دوست محمد خان محاربات كانت الغلبة فيها للأمير وساق أيضا عساكره إلى هرات ولكن رجع خائبا.
وبعد بضع سنين من إمارة الأمير هجم رنجيت سنك بعساكره على مدينة بيشاور، وكانت الحرب بينهما سجالا، ولما كان زمن المحاربة وقتل من الطرفين عدد كثير، ورأت الإنجليز أن دخول بيشاور التي هي مفتاح بنجاب تحت سلطة الأفغانيين يوجب استفحال أمر الأمير ويورث الخلل في الممالك الهندية الإنجليزية أسرعت إلى المصالحة بينهما على شرط أن تكون تلك المدينة بيد رنجيت سنك الوثني، فكأن أمة الإنجليز بفعلها هذا لم تقصد سد طرق الخلل عن بلادها فقط، بل أرادت أن تهيئ سبل استيلائها عليها علما منها بأن الإمارة السيكية التي شكلها رنجيت سنك واهية الأساس، وقد تم لها ما أرادت حيث استولت عليها بعد المصالحة بزمن يسير، وإثر هذه الوقائع اتفق موت كهندل خان المذكور، ووقعت المنازعة بين إخوته وأبنائه في الملك وآل الأمر إلى المقاتلة وسفك الدماء، ووقع الهرج والمرج في المدينة، فاتفقوا جميعا على جعل دوست محمد خان حكما بينهم، فسار بعسكره إلى قندهار حين بلغه ذلك، واستولى عليها، وعين لكل من المحكمين مرتبا شهريا؛ سدا لشرههم، وكفا لشرهم، وتمت له بذلك السلطة في غالب البلاد الأفغانية، وكان قد أرسل ابنه «محمد أكرم» إلى الأقطار البلخية التي نبذ أهلها طاعة الأفغانيين عند استيلاء الإنجليز على البلاد، واستقلوا بأمرهم فأدخلهم تحت الطاعة. ولم يبق تحت سلطة غيره من المدن الأفغانية الأصيلة إلا مدينة هرات التي بينا سابقا كونها في قبضة كامران ذلك البطل الذي قاوم العساكر الإيرانيين بغاية الثبات والحزم عشرين شهرا مع قلة عدده وعدده، ثم غلبت عليه الشهوة، واستولى عليه الهوى، وانهمك في السكر حتى نفرت منه قلوب الناس، ولعب به وزيره «يار محمد خان البامي زائي» وخنقه في قرية خارج المدينة، واستولى على الملك، وانقرض بموت هذا سلطة العائلة السدوزائية من البلاد الأفغانية.
وبالجملة، فإن ما اكتسبه أحمد شاه السدوزائي من الممالك الواسعة والسلطة التامة بسبب الشجاعة والتدبير والعدالة والاقتصاد في المعيشة قد أضاعه أبناؤه وأحفاده، بالجبن والسفه والجور والترف والانهماك في الشهوات. وكان هذا الوزير على الدوام يرسل إلى شاه إيران ويحتمي بحمايته صيانة لبلاده من سلطة سائر الأمراء الأفغانيين. وخلفه بعد موته ابنه «صيد محمد خان» بإعانة الشاه، وكان هذا الخلف سفيها سيئ الخلق قسي القلب ظالما جائرا؛ فامتلأت قلوب الأهالي منه غيظا، وأثاروا الفتنة عليه فطلبوا «شاه زاده يوسف السدوزائي» الذي كان وقتئذ في مدينة مشهد، والتمسوا من الشاه أن يجهزه، ويرسله ففعل، ودخل مدينة هرات بجيش من الإيرانيين بلا ممانع وأهلك صيد محمد خان.
ثم وقع في هرات بعض من الفتن فاغتنم ناصر الدين شاه فرصة الاستيلاء عليها، فأرسل جيشا جرارا سنة 1274 تحت رئاسة سلطان مراد ميرزا إليها، وبعد محاصرتها أياما تم له فتحها، ودخل قطر هرات تحت حكم إيران، فاستشاطت الإنجليز من هذا الفتح غيظا علما منها أن مدينة هرات مفتاح الأقطار الهندية، وبابها فأرسلت مراكبها بدون مهلة إلى خليج فارس، واستولت على بندر «أبو شهر» وجزيرة «خارق» وبلدة «محمده»؛ إرهابا للشاه، وسدا للخلل المزمع وقوعه، وتسكينا للثورة التي فشت في الهند عندما شاع فيها توجه العساكر الإيرانية نحو البلاد الأفغانية.
بعد مضي سنة من هذه الواقعة وقعت المصالحة بينهما وتركت الإنجليز الفرض الإيرانية على شرط أن يخصص الشاه رجلا أفغانيا ليكون حاكما على هرات، ويسحب عساكره منها، فعين الشاه سلطان أحمد خان ابن عم الأمير وصهره واليا على هرات باستصواب الإنجليز، وشرط عليه أن يضرب السكة ويقرأ الخطبة باسمه، ومع ذلك ما سكن روع الإنجليز، بل أغرت الأمير دوست محمد خان بعد بضع سنين بأخذ مدينة هرات، وتعهدت بأن تعطي له ولمن يخلفه مرتبا معلوما سنويا كافيا لتجنيد العساكر، وتحصين القلاع لتكون الإمارة الأفغانية سدا منيعا بين الهند وبين الممالك الروسية في آسيا الوسطى وإيران، فجند الأمير جيشا وسار به إلى هرات، وحاصرها زمنا طويلا، وكانت عساكر الطرفين بين مهاجمة ومدافعة، وقد اتفق موت سلطان أحمد داخل القلعة، وبعد موته بزمن يسير مات الأمير أيضا في معسكره، ثم أمر رؤساء العساكر المحاصرين بالهجوم، وبعد هجمات متعددة سنة 1280 فتحت عنوة وكان الأمير دوست محمد خان هذا عاقلا ذا دهاء لين العريكة غير مائل إلى الظلم والجور، وقد استمال بحسن سلوكه قلوب إخوته حتى خضعوا له مع أن منهم من كان أكبر سنا وأسس بحكمته وتدبيره ملكا، وكان له أبناء متعددة، وقد جعل أرشدهم وأعقلهم محمد أكبر خان الذي خلص البلاد الأفغانية من مخالب طمع الإنجليز ولي العهد، وحيث توفي في زمن حياته ولى شقيقه شير علي خان تلك الرتبة. «ولقد راعى الأمير حقوق محمد أكبر الذي له منة عليه خصوصا، وعلى الأفغانيين عموما، بإيثار شقيقه، غير أنه لم يراع حقوق سائر الناس، ولم يلاحظ ما يترتب على ذلك من المضار، فإن بعض إخوة شير علي خان كانوا أكبر منه سنا فلم يرضوا بالخضوع له فأثاروا الفتن ولزم منه إراقة الدماء وخراب البلاد ونهب الأموال.» وقد جعل على كل ولاية من ولايات الأفغان واحدا من أبنائه. «ولقد أخطأ الأمير خطأ آخر بتولية أولاده على البلاد؛ لأن البلاد الأفغانية ليست بلادا قانونية، فكأنه بفعله هذا قد مكنهم من الفتن والعصيان.»
ولما توفي الأمير حين محاصرته لهرات كما ذكرنا كان في المعسكر من أبنائه شير علي خان ولي العهد ومحمد أمين ومحمد أسلم خان، وكان لشير علي وزير خائن يسمى محمد رفيق من طائفة الغلجائي، قد أشار عليه بالقبض على إخوته قائلا: «لا تتم لك السلطة ما داموا ولاة مطلقي التصرف خصوصا الذين هم أكبر منك سنا.» فشاع هذا الخبر وبلغ مسامع من كان منهم في المعسكر، فهرب كل منهم ليلا وبادر إلى البلاد التي كان واليا عليها في زمن أبيه.
صفحه نامشخص