تتمة البیان در تاریخ افغانان
تتمة البيان في تاريخ الأفغان
ژانرها
ولما علم الإنجليز أن دخول الممالك الأفغانية في حوزة الإيرانين يستعقب زوال سلطتهم في الهند جهزوا شاه شجاع، وأيدوه بعساكر من لدنهم، وأوعزوا إلى رنجيت سنك الوثني وأمير السند «مير غلام علي خان» بتأييد شاه شجاع فلبيا دعوتهم، وإن لم يكونا تحت سلطتهم، فأيداه وعززاه بالعساكر، حتى تم له من العساكر نحو ثلاثين ألفا وتقدم بهم إلى قندهار من طريق بنجاب، فقابله كهندل خان وإخوته وقاتلوه، فهزموه شر هزيمة، وفر إلى هرات، واستنجد ابن أخيه كامران، فأبى، وبعد معاناة مشاق كثيرة وصل إلى بلوج ومنها إلى الهند. «والحاصل أن شره تيمور شاه وانهماكه في الشهوات، وحرصه على اللذات، وكثرة أولاده من أمهات مختلفة، أوجب سلب الراحة، وزوال الأمنية عن الأهالي، وسفك دماء ألوف من الناس، وحرص كل من أبنائه على الملك تسبب عنه حرمان الجميع.»
وفي سنة 1250 عزم كامران على فتح سجستان، فالتجأ أميرها إلى محمد شاه بن عباس ميرزا فاتخذ الشاه ذلك وسيلة إلى فتح هرات فجهز جيشا وسار إليها، وحاصرها زمنا طويلا، وكان الأفغانيون يخرجون من الحصار، ويهاجمون عساكر الشاه ببسالة غريبة. ولما اشتد الأمر على كامران أرسل ابنه نادر ميرزا إلى «ميمنة» و«شبر فان» ليدعو الأزبك وهزازه، فأجابوه دعوته، وجهزوا جيشا عظيما ساقوه إلى هرات لرفع الحصار عنها، ووقعت بينهم وبين عساكر الشاه محاربات كثيرة قتل فيها جمع كثير من الطرفين، ثم استظهرت عساكر الشاه عليهم فاضطرب لذلك كامران، واستشار وزيره في أمره، فانحط رأيهما على المناداة بالحرب الدينية، فتوسلا بملا عبد الحق أحد علماء هرات العظام، فقام يوم الجمعة، وأذن في الناس بالجهاد الديني، فلباه أهل المدينة وسكان القرى القريبة منها. فاغتسلوا غسل الجمعة وقصوا أظافرهم، ولبسوا أكفانهم، وخرجوا يهجمون على أعدائهم، وأوقعوا بهم، وقتلوا كثيرا من أعيان الإيرانيين إلا أنهم لم يقدروا على إجلائهم فرجعوا إلى البلد.
وبعد أن طال زمن الحصار توجه سفير الإنجليز «مكنيل» من طهران إلى المعسكر، وبعد أن تقابل مع الشاه، ورأى أن افتتاح المدينة قد قرب، وفي علمه أن ذلك يوجب انقياد الأفغانيين واتحادهم معه، وفيه من المضرة بسلطتهم في الهند ما لا ينكر، قال للشاه: «دعني أدخل المدينة، وأرضي كامران بالتسليم.» فأذن له الشاه ظنا منه أنه صادق فيما يدعي. فلما دخل المدينة، ولاقى كامران أخذ في تشجيعه وتثبيته، وقال: «لا يصح لك أن تسلم أصلا وإنك إن تثبتت قدماك زمنا ما نرسل لك المدافع والبنادق والذخائر.» وأوثقه على ذلك، ثم خرج وقال للشاه: «إنني كلما هددته هو وعساكره أو رغبتهم، لم ينجع مقالي فيهم، ولم يرهبوا لتهديدي، ولم يطمعوا لترغيبي ...» وبعد ذلك أمر الشاه بجمع النحاس الموجود بالمعسكر، فعملوا منه مدفعا هائلا، ورفعوه على تل عال، وسلطوه على المدينة، وأخذوا في إطلاقه فاشتد البلاء على من فيها مع شدة القحط والغلاء، حتى إنهم أخرجوا من الضعفاء والفقراء نحو أربعة عشر ألفا، فأرسل كامران سفيرا لعرض التسليم، ولما استشعر بذلك سفير الإنجليز اضطرب، وأرسل إلى كامران سرا يطلب منه التثبت، ويعده بأنه سيرفع هذا البلاء عنه، ثم ذهب إلى الشاه وقال له: «إن بين إنجلترا ودولتكم مودة، وإن فتح هرات يستوجب ثوران الفتنة في الهند، فأرجو منكم أن تكفوا عنه.» فلم يقبل رجاءه.
ولما سئم الشاه من طول المحاصرة، ركب جواده، وتقدم أمام العساكر، ونادى فيهم الهجوم على المدينة، فهجمت العساكر دفعة واحدة، وأطلقت المدافع عليها، فتهدم كثير من أسوارها، وكادت تفتح، لولا أن السفير الإنجليزي تقدم إلى الشاه وقال: «إنني أتوسل إليكم أن تأذنوا لي في الذهاب إلى المدينة ثلاثة أيام حتى آتي بكامران ووزيره وأسلمهما لكم بدون سفك دماء وسلب أموال، ولمجد إنجلترا لا تردوا رجائي هذا.» فأذن له الشاه بذلك لمجد إنجلترا، ولما اتصل بكامران وشيعته أعطى لهم خمسة آلاف جنيه، وقال: «إن الحرب قد وضعت أوزارها ثلاثة أيام فأقيموا ما انهدم من الأسوار وتثبتوا إلى أن تأتي مراكبنا من خليج فارس.» ولما اطلع الشاه على ذلك طرده من المعسكر، وبعد ذلك احتد الشاه واضطرمت نيران غضبه وأعاد الهجوم على المدينة، وحمي وطيس الحرب، وثبت الأفغانيون في المدافعة، وبلغ من أمر الإيرانيين أن كانوا يصعدون إلى رأس القلعة والأفغانيون كانوا يدافعونهم عنها وكثرت القتلى بين الطرفين.
وفي أثناء تلك الملحمة جاءت مراكب الإنجليز في خليج فارس، واستولت على جزيرة خارق، فلما بلغ الخبر مسامع الشاه، رأى من الأولى به أن يترك المحاصرة، ويشتغل بمدافعة الإنجليز عن بلاده، وكان سائر مأموري الإنجليز مدة المحاصرة يحثون أمراء كابل وقندهار على حرب الإيرانيين ويحملون العلماء بالدراهم والدنانير على المناداة بالحرب الدينية، ولكنهم لم ينجحوا في مساعيهم، ولقد طالت مدة هذه المحاصرة عشرين شهرا، وكان ذلك سنة 1255.
ولما علم الإنجليز من أمراء الأفغانيين الميل إلى الإيرانيين، إذ كان «دوست محمد خان» أمير كابل و«كهندل خان» والي قندهار وسائر إخوانهما الذي نالوا الملك بعد تفرق كلمة أبناء تيمور يراسلون الشاه في خلال محاصرته لمدينة هرات، ويوادونه، ويراسلون السفراء إليه، توجسوا من ذلك شرا خيفة اتفاقهم الذي يوجب تقلص ظلهم من بلاد الهند، فأخذوا إذ ذاك يترقبون فرصة لاستيلائهم على بلاد الأفغان، فلما أحسوا من الأفغانيين النفور والاشمئزاز من أمرائهم الجدد، رأوا إذ عنت لهم الفرصة أن يتخذوا شاه شجاعا واسطة يتوسلون بها إلى غرضهم من الاستيلاء على تلك البلاد، فجهزوه في جيش جرار مؤلف من جنود منتظمة وغير منتظمة تقودهم المهرة والأمراء ذوو المراتب السامية والمناصب الرفيعة من الإنجليز، فسار شاه شجاع بذلك الجيش من طريق البلوج وسجستان إلى قندهار، وكان قد تقدم هذا الجيش رجال يدعون الأفغانيين إلى شاه شجاع، ويذكرونهم بأنه الوارث الحقيقي للملك، وهو أحق بالسلطنة، ويحثونهم على التخلص من سلطة هؤلاء المتغلبين عليهم، ولما وصل الشاه إلى قندهار رأى واليها كهندل خان أن لا طاقة له على مقاومته لقلة جيوشه وشدة ميل أهل المدينة إلى الشاه فخرج هو وعائلته في خمسمائة من خيالته، وقصد طهران فأكرم محمد شاه مثواه وقلده ولاية «شهر بابك» من بلاد فارس.
ثم إن شاه شجاع جعل «تاو» الإنجليزي واليا على ولاية قندهار، وبعد ذلك سار بجيشه إلى كابل، وفتح في مسيره مدينة قزنة، وبعد وصوله إلى كابل لم يجد دوست محمد خان أميرها من نفسه قوة على المقاومة، ولا اقتدارا على المصادمة فاضطر إلى الخروج منها، وقصد بخارى ليستعين بأميرها، فلم ينجح قصده، ورأى منه عدم الاحتفال به، بل الإهانة والتحقير، فانقلب راجعا وسلم نفسه إلى الإنجليز، فأخذوه أسيرا، وبعثوا به إلى كلكوتا. أما شاه شجاع فقد جعل «ميجر باتنجر» من أعيان الإنجليز واليا على كابل، ثم استولى على جلال آباد بدون منازع ولا ممانع، وبعد هذا أرسل الإنجليز «بنت جركه» في عشرين خيالا من الإنجليز مع ثلاثمائة ألف جنيه إلى كامران ليعطيه إياها، ويدعوه إلى إجابة دعوة شاه شجاع، فقبلها وأبقى الرسول الإنجليزي، ومن معه عنده، حتى أنفق ذلك المبلغ في تحصين القلاع والاستحكامات وجمع الذخائر، ثم طردهم جميعا، وبعث إثر ذلك إلى محمد شاه يعتذر له عما فرط منه في حقه، وقبل أن يخطب، ويضرب السكة باسمه، وكان ذلك سنة 1257، وعلى كل حال قد استتب الأمر وتوطدت السلطنة في غالب أنحاء البلاد الأفغانية لشاه شجاع، لكن صورة، وللإنجليز معنى، حتى أيقن الإنجليز كافة أن البلاد الأفغانية آلت إليهم، وصارت جزءا من ممالكهم، يستحيل تملصها من أيديهم، وقد لبثوا فيها ثلاث سنين وبضع شهور.
ثم شهر جمادى الثانية سنة 1258 أرسل شاه شجاع أشخاصا يحصلون أموال الجباية من بعض القبائل، فأبوا دفعها، واستعصوا، وتمردوا ووقعت بينهما مناوشة جزئية، فلما بلغ شاه شجاعا خبر تمردهم أرسل جماعة من العساكر لكبحهم وتأديبهم، فلما رأى المتمردون من أنفسهم عدم الاقتدار تبددوا في قلل الجبال.
11
وفي غرة رجب خرج من مدينة كابل ثلاثة من خوانين «جمع خان» الغلجائي، وانضم إليهم جماعة من القبائل، وأخذوا في شن الغارة وقطع الطريق، ينهبون، ويسلبون، واتخذوا لهم استحكاما في موضع على مسافة ثلاثة فراسخ من كابل، وصار الطريق منها إلى الهند مقطوعا.
صفحه نامشخص