تأثير اللوتس: رواية عن جزيئات النانو في أبحاث الطب الحيوي

نيرمين شرقاوي d. 1450 AH
67

تأثير اللوتس: رواية عن جزيئات النانو في أبحاث الطب الحيوي

تأثير اللوتس: رواية عن جزيئات النانو في أبحاث الطب الحيوي

ژانرها

ليس ثمة سيناريو آخر على طريقة التكنولوجيا الحيوية، كما قالوا. «لقد غادر القطار بدوننا! وألمانيا فوتت فرصة اللحاق به؛ لأننا أمضينا وقتا طويلا على مقاعد الانتظار نفكر ونعيد التفكير، ونختبر ونعيد الاختبار.» شعرت فاندا بالتوتر؛ إذ ظل موضوع فئران التجارب لا يبرح بالها. فوتنا فرصة اللحاق بالركب؟ أنت فاندا داخل ذاتها، هذه هي بالضبط مشكلتي حين تستمر التجارب على نفس المنوال، ثم يأتي أولئك المهتمون برعاية الحيوان؛ إذ اتصلوا بها بالأمس وأخبروها بوقاحة أن أمرا ما غير سليم فيما يختص بالفئران، وأن عليها أن تراجع الموقف بنفسها. لقد أصابتها نوبة غضب حينما رأت الحيوانات النافقة ... أمر غير سليم ... يا لبلاهتهم! ... ألا يعرفون كيف يتكلمون؟ عشرة فئران تنفق بين عشية وضحاها؟ وكل هذا بلا أي سابق مقدمات منذرة؟ هكذا ببساطة؟ لم تستطع أن تصدق ذلك. هل الزملاء في حظيرة الحيوان يلهون طوال الوقت أم ماذا؟ كما أن الحيوانات المتبقية من التجربة الأخيرة لا تبدو على ما يرام، ربما أصيبوا بنوع من العدوى. هكذا ظنت. ربما وباء خاص بالفئران. من يعلم؟ لم يكن أمامها خيارات أخرى. عليها أن تقتلهم. وفجأة وجدت يوهانيس واقفا إلى جوارها قائلا: «سأقوم أنا بهذا!» لم يقل سوى هذه الكلمات. نظرت إليه باستغراب. لقد تحدثت زابينة معه، ربما نشب بينهما سوء تفاهم.

قررت فاندا راضية أن الحديث مع صديقتها في هافانا كان مثمرا بالفعل، لقد اتفقت مع زابينة على أخذ عينات من أنسجة الحيوانات المشتركة في دراسة شركة بي آي تي المتبقية قبل أن يرجع شتورم من الولايات المتحدة. إن كان معنا في الموضوع فالأمر لا يتعلق بمجرد حفنة من فئران أقل أو أكثر.

أضاف غامزا بعينيه: «الرئيس يعطيني بالتأكيد مكانة متميزة.» كان يوهانيس يريد أن تساعده بيترا في العمل. رفض العمل مع فاندا لأنها كثيرة الحركة بحسب زعمه، وكم أوجعها ذلك الوصف! لكنها لا تستطيع أن تنكر أنها غير قادرة على السيطرة على حركات يديها. كانت ترتعش، وحين تتوتر يظهر ذلك جليا، مما يزيد من اضطرابها، وكلما زاد اضطرابها اشتدت رعشة يديها. هل لاحظ من ذلك شيئا؟ كان يوهانيس ماهرا في استخدام مشرط التشريح، حتى لو كانا الآن يتعاملان معا مثل قط وكلب ، فلم يكن لينتاب فاندا أي شكوك في أن يوهانيس هو خير من يقوم بهذه المهمة؛ ولهذا السبب لم تسأل. أما هو فقد اقترح أن يرسلوا الأعضاء التي تم استخراجها لتفحص من قبل مختصين في علم الأمراض الحيوانية. «لا يمكن لألمانيا أن تتحمل مرة أخرى أن تفقد الريادة في تكنولوجيا أساسية.» عادت فاندا لتنتبه لما يقال على المنصة. كان رئيس الوزراء قد وضع ساقا على الأخرى في الوقت الذي يفضي فيه بقناعاته إلى الميكروفون: «نحن في حاجة إلى المزيد من الاستعداد لتقبل المغامرة»، وكأنه بهذه الجملة قد أعطى الكلمة المفتاحية ليسود التوتر بين جمهور السامعين؛ إذ قد وقف بعضهم وأخذوا في خلع معاطفهم، والآن فقط لاحظت فاندا أن بعض الزائرين وقفوا خلفها كذلك ونحوا ستراتهم جانبا، وأنهم كانوا يرتدون ملابس سوداء تحت السترات. بدا الأمر لفاندا وكأنها في المسرح تحضر عرضا، وأنها متشوقة في انتظار بدء الأحداث. كانوا منشغلين الآن بوضع نظاراتهم الشمسية، لحظتها سمعت صفارة قصيرة فخرجت كوكبة من الشباب، عددهم أكثر من الثلاثين، انسلوا كالنمل من بين الصفوف. لم ينبس أيهم ببنت شفة. بدوا وكأنهم يقومون بتوزيع شيء ما. ران الصمت على القاعة، حتى المحاور بدا وكأنه قد تجمد، كان يحمل الميكروفون أمام فمه نصف المفتوح ويزدرد ريقه.

شيء ما لم يكن على ما يرام، لكن أحدا لم يتدخل. في هذه الأثناء كانت قوات حفظ النظام مشغولة بتأمين أبواب القاعة ضد الضغط الواقع عليها من الخارج. ظل الناس جالسين، يتلفتون يمنة ويسرة متسائلين، ثم يرفعون أكتافهم غير مبالين. بعضهم تنحنح في توتر، فيما ضحك البعض الآخر ضحكا مكتوما. المكان الذي كان يجلس فيه رئيس الوزراء أصبح الآن شاغرا، ووريقة البرسيم المعروضة على المنصة اختفت وظهرت بدلا منها عبارة: «نحن نحذركم! لا سيطرة للجنون التكنولوجي» مكتوبة بحروف سوداء بالخط العريض. أما علامة التعجب فكانت تحتها نقطة حمراء كبيرة. لقد تمكن المعارضون إذن من اقتحام القاعة رغم أنف الاحتياطات الأمنية، ومن كل الاتجاهات انساب الأشخاص المتلفحون بالسواد حتى منتصف القاعة. لم يكن قد مر أكثر من دقيقتين على الأكثر منذ بدء العملية، إلا أن الهدوء جعل الوقت يمتد وكأنه شريط مطاطي. صفارة أخرى فمضى الجيش الكئيب بحسم إلى الخلف، وانقسم إلى مجموعتين أمام المنصة تستهدف كل واحدة منها مخارج القاعة. اصطدموا بقوات حفظ النظام أمام الأبواب الموصدة. صاح أحدهم: «لا تخدعنكم عيونكم!» حاول شرطيان سحب من قال ذلك خارج المجموعة. كان يقاوم رافعا ذراعيه عاليا ويصيح: «لا تلمسوني.» اقتربت مجموعة النشطاء بعضها من بعض وأخذت تضغط ككتلة داكنة على أبواب الخروج. كانت فاندا لا تزال مبهورة بذاك الشيء الصغير الذي دسه لها أحدهم في يدها اليمنى أثناء العملية: كان زرا أحمر أملس. تعرفت عليه من فورها؛ كانت قد رأته قبل عشرة أيام كاملة إلى جوار الكمبيوتر المركزي. كان النموذجان متطابقين. «عملية ممتازة» سمعت أندرياس يقول ذلك، وكانت عيناه تلمعان. «كان الأمر يستحق مشقة الحضور لهذا السبب وحده.» أومأت فاندا وأشارت إلى الزر البلاستيكي الذي في يدها. «هل رأيت هذا من قبل؟»

هز أندرياس رأسه بالنفي. في هذه الأثناء كانت أبواب الصالة قد فتحت على مصاريعها، كما قام أحدهم بإطفاء جهاز العارض الضوئي. توقفت الحلقة النقاشية التي على المنصة، وأخذ الحضور ينضمون لمجموعات صغيرة يتناقشون فيها فيما هم ينسحبون ببطء إلى خارج القاعة.

اقترح أندرياس: «دعينا ننتظر لوهلة.» فأومأت فاندا موافقة، وكانت ترى البشر المتدافعين على المخرج. لم يكن بها أي رغبة أن تنضم لهذه الجموع.

ثم سألت: «وبخلاف هذا؟ هل كان الاجتماع مفيدا لك على أي نحو بخلاف هذا؟» «الكيفية التي يعملون بها الآن مثيرة لاهتمامي.» كان هذا رأي أندرياس، «فالمواطن الواعي يقف الآن في بؤرة اهتمامهم، تماما كما تقترح التوجيهات الصادرة عن الاتحاد الأوروبي.»

بدأت فاندا تنفس عن غضبها قائلة: «وهل تعتقد حقا أن هذه معلومات؟» كان توتر الدقائق السابقة لا يزال عالقا بمفاصلها، وكانت تبحث له عن مصرف. «إن كل شيء يبدو لي وكأنه لعبة استغماية مليئة بالخدع. قل لي بالله عليك، متى تم هنا من قبل النقاش مع الناس علانية؟» «رغم كل شيء ما زال الاتحاد الأوروبي يتبنى خطابا اجتماعيا، في المقابل فإن تقرير المؤسسة القومية الأمريكية للعلوم عن الإن بي آي سي يبدو وكأنه ضرب من الخيال العلمي.» «إن بي آي ... ماذا؟» «تقريب التكنولوجيات من أجل تطوير الأداء البشري. يستعرض هذا التقرير صورة بانورامية لمسودة نظرية تطور جديدة. تطوير الفرد، والإنسانية، والثقافة والتكنولوجيا، بحيث توضع جميعها في سياق متصل، وما عليك سوى قراءة رأي كورتسفايل لتعرفي كيف يفكرون، أو فلتسمعي لصديقك توماس؛ إذ يبدو أنك تصدقينه في كل ما يذهب إليه.» تجاوزت فاندا عن الهجوم المضمر، وردت بنبرة أهدأ: «رغم ذلك أفتقد هنا الحجج المقنعة، فمن ناحية تريد التكنولوجيات الجديدة حماية البيئة والموارد، لكن من ناحية أخرى يظل النمو الاقتصادي هو الهدف الرئيس.» «وهذا مع انخفاض مستويات جودة الحياة.» «بالضبط، أين إذن في هذه المهزلة ذاك الإنسان الذي يريدون رفع وعيه؟» لقد وصلت الآن لنقطة لا تستطيع معها كبح جماحها، فاستطردت: «ما الأسوأ: الأزمة الاقتصادية أم تلوث البيئة؟ من بوسعه اليوم أن ينظر للأمرين بوصفهما منفصلين أحدهما عن الآخر؟» كان ردها على سؤالها، «أنا أيضا يطلب مني الإفصاح عن حقائق حين أعلن أن مادة ما تعد مادة سمية.»

وضع يده على ذراعها بحذر.

قال لها مبتسما مهدئا: «على الأقل أنت تفعلين الصواب.» إلا أن نظرته التي تشبه نظرة كلب من فصيلة الدشهند جعلتها تستشيط غضبا. هل كان يسخر منها؟ قالت ثائرة: «إنه نفس القرف يتكرر في كل مرة.» سحب أندرياس يده ثانية، واصلت حديثها الغاضب قائلة: «الناس حمقى، لماذا لا نضع كل أوراق اللعب على الطاولة، ونقول لهم بصراحة إننا ما زلنا في مرحلة البداية؟ لم هذا الضغط بخصوص فرص التسويق؟ في نفس الوقت نحن في حاجة للتكنولوجيا من أجل قياس المخاطر، فهنا يكمن مستقبلنا، بدلا من ذلك لا نقوم إلا بتقليد الأمريكيين!» «هل تقصدين أننا لن نكون سوى أمريكيين سيئين؟»

صفحه نامشخص