تأثير اللوتس: رواية عن جزيئات النانو في أبحاث الطب الحيوي

نيرمين شرقاوي d. 1450 AH
53

تأثير اللوتس: رواية عن جزيئات النانو في أبحاث الطب الحيوي

تأثير اللوتس: رواية عن جزيئات النانو في أبحاث الطب الحيوي

ژانرها

أومأت فاندا. ثم قالت: «أعتقد أن توماس عبقري.»

تغير وجه أندرياس كما لو كان قد أصيب بمغص، وفي رد فعل تلقائي أخرج محفظته وفتحها، فاسترقت فاندا نظرة خاطفة على بطاقته الشخصية.

قالت فاندا مداعبة: «صورة لطيفة. أهي صورة التعميد الإنجيلي أم اللاديني؟» وحين أعاد دس محفظته في جيب بنطاله كان لا يزال بإمكانها أن تقرأ اسم عائلته، «هيلبيرج»؛ فكرت فاندا، إذ بدا الاسم مألوفا لها. «من أين أنت؟» «من ميونيخ.» «مضبوط، الآن عرفت من أين أعرف اسمك. يوجد هناك بروفيسور في طب الجهاز العصبي، أظن أنه يدعى ... جونتر هيلبيرج.»

سحب أندرياس نفسا عميقا وقال باقتضاب: «كان يدعى.» «كيف ذلك؟»

مط أندرياس شفتيه: «إنه أبي. مات منذ فترة قصيرة.»

على الطاولة المجاورة علت أصوات مجموعة من الطالبات، ثم صمتن عندما شعرن بأنظار الزبائن الآخرين موجهة إليهن. حرق دخان السجائر عيني فاندا. «يؤسفني ذلك.» قالتها بصوت خفيض. رأت كيف أخذت طبقة الرغوة الموجودة في كأس البيرة الخاصة بها تنخفض وتذوب ببطء. ضغطت خفقات مكتومة على صدغيها، ولم تستطع أن تحدد ما إذا كانت هذه الخفقات آتية من الداخل أم من الخارج. ودت لو بإمكانها أن تنهض وترحل. «لم تكن علاقتنا مثالية» تلجلج أندرياس «كل شيء حدث بسرعة فائقة.» لم تعرف فاندا ماذا عساها تقول. فرضت اللحظة عليها أن تفكر في والديها الراحلين، وأنها لم تتصل بأخيها بعد . سيتعين عليها هي هذه المرة أن تتخذ الخطوة الأولى. «من أين عرفته؟» قطع بسؤاله الصمت. «تعرفنا سريعا بورشة عمل في نيو مكسيكو. مضى على هذا الأمر عامان على الأقل. كانت علاقة عمل فقط.» تنحنحت فاندا ثم قالت: «أظن أنه يعتبر، أعني أنه كان يعتبر جد متميز في تخصصه.» أومأ أندرياس برأسه. لم تحب فاندا حالة عدم الكلام التي أخذت تنسج خيوطها بينهما مثل شبكة حرجة تتعقد فيها خطوط السكك الحديدية؛ إذ لم يكن لديها أي فكرة عن الكيفية التي سيواصلان بها اللقاء الآن. «هل تريد أن تتحدث عن هذا الأمر؟» سمعت نفسها أخيرا تطرح عليه السؤال. «في وقت لاحق»، أجاب أندرياس مدافعا. في حقيقة الأمر كانت فاندا سعيدة بذلك رغم أنها كانت تتمنى أن تعرف المزيد عن مصير جونتر هيلبيرج. من ناحية أخرى كان التأجيل هو الأفضل بالتأكيد، ففي وقت ما سيتوجب عليها هي أيضا أن تحكي، لكنها ببساطة لم تكن في مزاج يسمح لها أن تقص لأندرياس النسخة المثالية لتاريخ أسرتها التي فبركتها في أثناء إقامتها بأمريكا. كانت قد اخترعت بعض القصص المضحكة، في الحقيقة كان بعضها مسروقا، بينما الآخر أضفت عليه لمسات تجميلية. كانت ببساطة أظرف من الحقيقة، كما أن الأمريكيين أعاروها أسماعهم. ذات مرة أراد أحدهم أن يعرف إن كانت ثمة قرابة بينها وبين العالم الفيزيائي فان دير فالس. لم يكن قد أدرك أن فاندا هو اسمها الأول، فألهمها هذا الأمر حدوتة صغيرة عن جدها الأكبر المتوهم البروفيسور يوهان من لايدن الذي كان يربي أبا بريص كحيوان أليف. قصت فاندا كيف أن جدها كان مفتونا بقدرة هذه الحيوانات الصغيرة على الجري فوق الأسقف والحوائط ورأسها مدلى إلى أسفل. حكت أنه نجح ذات مرة في الإمساك بواحد من حيوانات أبي بريص، وحين أراد أن يسحبه من على الحائط قال: «وراءه تختبئ فيزياء!» فعلق محدثها غير مصدق: «حيوانات أبي بريص؟» «كنت دائما أظنه يبحث في الغازات فالسوائل فقط لا غير.» كان الأمر مجرد هواية وحسب. بهذا كانت تحاول فاندا أن تخرج من الموضوع، علاوة على ذلك فقد اكتشف أحدهم قبل عدة سنوات أن «قوى فان دير فالس» هي فعلا التي تسمح لحيوانات أبي بريص بالجري ورأسها مقلوب، باستخدام كعوب أرجلها الصغيرة المزودة بشعيرات لاصقة بحجم النانو. لكم كان جدي الأكبر سيطرب لهذا الأمر! يسهل عليها الكذب باللغة الإنجليزية، ولكنها تنقصها الشجاعة كي تسري عن أندرياس بقص النسخة الألمانية من مجموعة نوادرها.

ضاع المزاج الجيد وانتهى المساء بشكل أو بآخر، وعندما دخلت فاندا الشقة راودها شعور غير مؤكد بأنها لا تخصها وحدها، فمنذ أسبوع وهي تضع قصاصة ورق بين الباب وحلقه، لكنها نسيت هذه المرة أن تستعمل جهاز إنذارها الخاص. بحثت في كل الحجرات لكنها لم تجد إشارة ملموسة يمكن أن تؤكد شكوكها. هزت رأسها تعجبا من حالها، وحين اضجعت في السرير وأغمضت عينيها، تذكرت الراحل هيلبيرج. لقد مسها الخبر الحزين بعمق بأكثر مما قد ترغب هي في الاعتراف به. تخيلت قبره والأكاليل عليه، وفجأة تحول إلى بركة يغطيها بساط من زهور اللوتس الوردية، ثم خلدت إلى النوم.

الجزء الثاني

الفصل العشرون

الشاهد

صفحه نامشخص