تأثير اللوتس: رواية عن جزيئات النانو في أبحاث الطب الحيوي

نيرمين شرقاوي d. 1450 AH
14

تأثير اللوتس: رواية عن جزيئات النانو في أبحاث الطب الحيوي

تأثير اللوتس: رواية عن جزيئات النانو في أبحاث الطب الحيوي

ژانرها

في الأدب الألماني محاولة مهزوزة؛ فالألمان ليسوا حساسين لأي تفرقة في هذا المجال، فلتكن الرواية

Roman

أو لتكن كتابا

Buch . ويبدو أن الشيء الهام بالنسبة للمبدعين هو ألا يفقد الإبداع إبداعيته، بمعنى ألا يسير في دروب أو مدقات مطروقة إلا إذا كانت قابلة للتفرع والتقلب.

وقد حظيت بعض القوالب القصصية بإعجاب من النوع الذي يسمونه «جماهيريا»، ويلفت نظري من بينها القالب المعروف باسم الرواية البوليسية. ويلفت نظري هذا القالب لأنه تلون بما لا يتصوره العقل من ألوان، ودخل في التاريخ والجغرافيا والعلوم الفلسفية والإنسانية، وأصبح مجالا كبيرا من مجالات الإبداع. ونقطة الانطلاق الشكلية فيه (الخميرة) هي أن هناك شيئا يحدث، وأن هذا الذي يحدث يسأل عنه بعض الناس؛ يسألون بمعنى المسئولية. وتدور في خطوط الأسئلة احتمالات مختلفة. وكلما ظهر بين الناس في البلاد المختلفة والأزمنة المختلفة شيء يتسم بغرابة فلا بأس من خلطه بالرواية البوليسية.

ليست هذه التصورات غريبة بالنسبة للرواية التي بين أيدينا، وفي قراءتي لترجمتها لا أقول إن المترجمة حملت عبئا ثقيلا، بل كثيرا من الأعباء. فأولا: الرواية تتصورها المؤلفة أنتونيا فيرينباخ في صورة عمل علمي بالأساس. فالعنوان الذي اختارته الأديبة يجرنا إلى عالم اللوتس، أو إذا شئنا الحقيقة: عوالم اللوتس وتقلباتها الجغرافية والثقافية والإنسانولوجية. فكلمة اللوتس نفسها كلمة تظهر في سياقات كثيرة، بعضها واضح، وبعضها غامض، وبعضها يثير التساؤلات. والأديبة نفسها تصنف روايتها على أنها عن النانو، وهو مصطلح من مصطلحات العلوم القائمة على القياس المتناهي للجزيئات في مجالات البحث الطبية الأحيائية.

إذن هي رواية علمية؛ فالأديبة نفسها فيما ذكر من قصة حياتها ليست من خريجي أقسام الأدب، وليست من المنضمات إلى المجتمعات الأدبية راضية أو ثائرة، ولكنها درست علم الأحياء في جامعات مختلفة، بل إن دراستها ظلت تتقلب بها في مجالات مختلفة مثل الأحياء البحرية والإعلام والصحافة، ناهيك عن التخصص في علوم الحيوان. وفي كل هذه التوجهات كان لها بصماتها التي ظهرت في مجالات كثيرة. ناهيك عن حرص أنتونيا فيرينباخ على التأكيد على أنها حاصلة على الدكتوراه من أهم المراكز البحثية في ألمانيا. ثم إن لديها رغبة كبيرة في تغيير المكان، وفي عرض الموضوع الروائي (اللاروائي) القصصي (اللاقصصي) على مدى 49 فصلا مضافا إليها إضافات شارحة تقربها إلى عالم البحوث العلمية. •••

يشد الانتباه إذن أن رواية أنتونيا فيرينباخ تجمع بشكل صارم بين الأدب والعلم. الأدب بالمعنى المألوف؛ أي الظاهرة الأدبية المنتمية إلى علوم الجماليات، أما العلم فالمقصود به العلوم التي تختص بها المعامل والنظريات العلمية فيما يسميه الألمان

Naturwissenschaften ؛ أي العلوم الطبيعية. وهي ليست خاصة بالطبيعة فحسب، لكنها قريبة الشبه بها مثل الرياضيات والفلك، كما تشمل الفيزياء والكيمياء وما تطورت إليه هذه العلوم فيما بعد. وهذه الظاهرة - الجمع بين الصفة الأدبية والصفة العلمية - لها أهمية خاصة في نظرنا؛ لأن كثيرا من النقاد حين يتحدثون عن برامج الترجمة التي توجه إلى القارئ العادي يلاحظون أن هذه البرامج تركز على الروايات وما في حكمها، بحيث إن النقاد ينتهون إلى أن الغلبة دائما للأدب وما في حكمه. وهذا شيء يمكن التأكد منه بمجرد النظر إلى قائمة مثل قائمة الكتب المترجمة الصادرة عن المركز القومي للترجمة أو الهيئة المصرية القومية للكتاب، بما يصور أن الأدب هو المقوم الأساس للثقافة. إلا أن العمل الذي بين أيدينا يمثل نموذجا مغايرا. فهو - كما تذكر المؤلفة - عمل مختص بأمور علمية توضع لها برامج بحثية في معامل علمية متخصصة، وتنشر عنه بحوث في المجلات العلمية المتخصصة؛ أي إن الموضوع يدور في قالب علمي بحثي. لكننا لا نريد أن نطرق هذه النقطة دون أن ندخلها في مكانها من الرواية البوليسية. فما يجري في المؤسسات البحثية وما يقوم به الباحثون من دراسات علمية واضح في الرواية أنه قد يكتنفه التزوير وما يعرف بالسرقات العلمية. والأحكام والتقارير التي يكتبها المتخصصون لإبراز أهمية علمية لبحث ما قد تكون مفتعلة أو متكلفة أو في غير موضعها، فتكاد تكون الرواية من أولها لآخرها هدفها البحث عن هذا العمل «العلمي» وكيف يتم إنجازه وإخراجه في مجلات علمية مشهود لها بالدقة وما إلى ذلك؛ فإذا بنا نجد أن الموضوع يكثر فيه الكذب والاختلاق والتمويه وإلباس الحقائق والوقائع لباس الأحداث الإجرامية التي تهتم بها الروايات البوليسية بصفة خاصة. فيكاد يكون قارئ هذه الرواية مهتما باكتشاف من هو صاحب الادعاء ومن هو صاحب الفكرة المكذوبة ومن يلعب بالألفاظ ومن يحاول استخدام تعبيرات مضللة ومن يستغل لغة الكمبيوتر وما إليها بهدف واضح جدا؛ هو التضليل. •••

وما دمنا نتحدث عن التضليل فهناك جانب آخر نلقاه في مواضع كثيرة من الكتاب؛ وهو اهتمام أصحاب المشروعات العلمية بالمكاسب المادية والتفكير في كيفية افتعال مشروع علمي أو التشدق بإمكانية حدوث تطورات علمية لا وجود لها بقصد جذب شركات الدعاية والتأمين، لتتحول العملية إلى تحقيق منافع مادية تغلب على المتوقع من البحوث العلمية الرصينة. ويبدو أن الكاتبة لا تخفي نيتها؛ وهي إلقاء الضوء على ما يجري من جرائم في عالم البحث العلمي بكل مكوناته. وبطبيعة الحال فإن الشخصيات الكثيرة التي ترد في الرواية من الصعب تحديد هويتها من حيث الصدق والكذب. لسنا على بينة من الصورة الحقيقية للرجال والنساء الذين يدور عنهم الحديث ويشاركون في العمل العلمي من مناقشات تبطن ما لا تظهر. فهناك ما يمكن أن نسميه رغبة قوية في النقد العنيف لما يمكن أن نسميه سوء الخلق في هذا العالم البحثي العظيم الذي يتصور الناس أنه أبعد ما يكون عن سوء الخلق. وبهذا دفعت الكاتبة هذا العمل الأدبي في صورته المبتكرة التي بين أيدينا إلى مجال الأخلاقيات وتراثها، وكيف يمكن أن تتقلب وتتغير وتعبر عن أشياء إيجابية وسلبية في نفس الوقت في إطار لغة الألغاز والتعبير بالرموز المستغلقة أو الصعبة. ومن ذلك الحديث عن اللوتس، ومعنى اللوتس في الثقافة المصرية وثقافة الصين؛ فنجد لفظة اللوتس تدور بنا دورات صعبة مليئة بالألغاز والغوامض التي تحتاج إلى جهود خاصة للخروج بمعلومات عن قيمة هذه العناصر الفكرية أو الأخلاقية الخفية وإظهارها على الواقع. وهذا النوع من الروايات التي ينشغل فيها مؤلفها الغربي بالعناصر الشرقية الصينية والهندية معروف في الأدب الألماني، نذكر منه على سبيل المثال اهتمام الأديب الشهير الحائز على جائزة نوبل في الأدب هيرمان هيسه. ويمكن مراجعة ذلك في رواية «لعبة الكريات الزجاجية» التي قمت بترجمتها والتقديم لها.

صفحه نامشخص