بكلمة الكفر صار كافرًا١، فكيف بمن بَلَغَ هذه الرتبةَ اعتقادًا وقولًا وفعلًا.
فإن قلتَ: هذه النذورُ والنحائرُ ما حكمها؟
قلتُ: قد عَلِمَ كلُّ عاقل أنَّ الأموالَ عزيزةٌ عند أهلها، يَسعون في جَمعها ولو بارتكاب كلِّ معصية، ويَقطعون الفيافِيَ مِن أدنى الأرض والأقاصي، فلا يبذلُ أحدٌ مِن ماله شيئًا إلاَّ معتقدًا لِجلب نفعٍ أكثرَ منه أو دفع ضرٍّ، فالنَّاذرُ للقبر ما أخرَج مالَه إلاَّ لذلك، وهذا اعتقادٌ باطل، ولو عرَفَ النَّاذرُ بطلانَ ما أراده ما أخرَجَ درهمًا، فإنَّ الأموالَ عزيزةٌ عند أهلها، قال تعالى: [٤٧: ٣٦ - ٣٧] ﴿وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ﴾
فالواجبُ تعريفُ مَن أخرج النذرَ بأنَّه إضاعةٌ لِمالِه، وأنَّه لا ينفعه ما يُخرجه ولا يدفع عنه ضررًا، وقد قال ﷺ: "إنَّ النَّذرَ لا يأتي بخير، وإنَّما يُستخرَج به من البخيل"٢، ويجب رده إليه.
وأمَّا القابض للنَّذر فإنَّه حرامٌ عليه قبضه؛ لأنَّه أكْلٌ لِمال الناذر بالباطل، لا في مقابلة شيء، وقد قال تعالى: [٢: ١٨٨] ﴿وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ﴾، ولأنَّه تقريرٌ للناذر على شِركه وقُبحِ اعتقاده ورضاه بذلك، ولا يخفى حكمُ الراضي بالشرك، [٤: ٤٨] ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ﴾ الآية، فهو مثل حُلوان الكاهن ومَهر البغي، ولأنَّه تدليسٌ على الناذر، وإيهامٌ له أنَّ الوليَّ ينفعه ويضره.