194

تثبيت دلائل النبوة

تثبيت دلائل النبو

ناشر

دار المصطفى-شبرا

شماره نسخه

-

محل انتشار

القاهرة

سيف النصرانية من اول امرها الى هذه الغاية. وقد دعا واحد من اليهود الخزر وهم امم كثيرة فأجابوه ودخلوا في دينه عن قرب، وفي ايام بني العباس ودولتهم، ولو أراد مريد ان يدعي انهم إنما اجابوا إلا بالآيات والمعجزات كما يدعي النصارى لمن تنصر لأمكنه ذلك وكان اولى بالشغب من النصارى، فإن هذا رجل واحد قصد الى ملك عظيم الشأن، والى قوم اولى بأس شديد، فأجابوه بلا غلبة ولا سيف، وتحملوا ما في شريعة التوراة من الشدة بالختان والوضوء وغسل الجنابة وتحريم الأعمال في السبت والأعياد، وتحريم ما في هذه الشريعة من الحيوان، الى غير ذلك. ولعل اليهود تدعى لهذا الداعي الآيات والمعجزات، فمنهم من يجيزها للصالحين منهم وهذا اولى بالشبه مما تدعيه النصارى، ولكن النصارى اكذب وأشد جرأة على ادعاء ما لم يكن. ثم يقال للنصارى: ادعيتم لدينكم الضيق والصعوبة، وقلتم: هذا أحد الادلة على صحته وعلى ان الامم لم تقبله ولم تدخل فيه إلا بالآيات، فقد عرفنا من قولهم في الآيات، ولو كان ضيقا صعبا شديدا لما دل ذلك على صحته فإن دعواهم هذه كدعواهم المعجزات. / وليس يدل على صحة الدين ضيقه وصعوبته، بل ربما احتال الممخرق والمبطل على صحة ما يدعو إليه بالتصوف والتقشف وكثرة العبادة والمضايقة فيما يدعو إليه الى ان يتمكن، ثم يظهر مساوئه، ويكون ذلك له شبهة على من يرى ذلك ويسمعه، والنفوس ترحم المتصوف والمتقشف المواصل الصلاة والصيام وإن كان مبطلا، ويحسن ظنهم فيه، ويسرعون الى القبول منه قبل النظر في حاله، ويكتفون بما يظهر منه عن البحث عن حاله، وفي النظر والبحث شدة ومشقة، وتنفر نفوسهم عن

1 / 186