تصویر و اعلام مصورین در اسلام
التصوير وأعلام المصورين في الإسلام
ژانرها
ومن المصادفات التاريخية التي ساعدت على نمو الروابط بين الصين وإيران أن سقوط أسرة المغول في إيران سنة 1336م تبعه بعد فترة قصيرة سقوط أسرة يوان المغولية في الصين وقيام أسرة منج التي حكمت من سنة 1368 إلى 1644 فكان طبيعيا أن ينشأ الود المتبادل بين الأسرتين الجديدتين بعد نجاحهما في تقويض نفوذ المغول. وتبودلت البعثات بين الصين وإيران في عصر شاه رخ وبيسنقر. ومن الذين أوفدوا في إحدى هذه البعثات بيسنقر مصور اسمه غياث الدين، كلفه عاهل إيران أن يصف كل ما يراه في طريقه وقد وصلنا هذا الوصف في كتاب اسمه مطلع السعدين، كتبه بالفارسية كمال الدين عبد الرازق ونقله إلى الفرنسية المستشرق كترمير. وأكبر الظن أن هذه البعثات كانت تعود من الصين بكثير من المنتجات الفنية في تلك البلاد، كما كانت تحمل إليها بدائع التحف المصنوعة في إيران.
والواقع أن الآثار الفنية من مدرسة هراة تشهد بتأثير قوي للفنون الصينية ولا سيما في جلود الكتب التي كانت الحيوانات الخرافية الصينية من أهم عناصر الزخرفة فيها.
ومن المخطوطات التي تحتوي على صور مشهورة تنتمي إلى هذه المدرسة مخطوط من كتاب فارسي عن قصة المعراج اسمه «معراجنامه» كتب لشاه رخ في مدينة هراة سنة 840ه/1346م، ومحفوظ الآن في المكتبة الأهلية بباريس. وتمتاز صور هذا المخطوط بأن جلها مربع الشكل ومستقل عن المتن ولكن فيها تكرارا إذ إن أكثرها يمثل النبي عليه الصلاة والسلام راكبا البراق تحف به الملائكة ويتقدمه سيدنا جبريل ويسير الركب في السموات ويقابل الأنبياء والرسل، والملاحظ في رسوم النبي وأصحابه أن السحنة وتقاطيع الوجوه تدل على أصل عربي، بينما يظهر التأثير الصيني في رسوم الملائكة بوجوههم المستديرة وعيونهم الصغيرة المنحرفة، كما يظهر أيضا في رسوم السحب الصينية التي تغطي أرضية الصور.
وفي دار الكتب المصرية مخطوطان من طراز هذه المدرسة أولهما من كتاب جمشيد وخورشيد (رقم 156 أدب فارسي) وقد فرغ من كتابته عماد خباز سنة 841ه/1438م وفي أول المخطوط صحيفتان مذهبتان غاية في الجمال والإبداع، ولكن الصورة الوحيدة فيه غير متقنة الصنعة ويظهر أنه قد أعيد نقشها بالألوان في عصر متأخر. أما المخطوط الثاني فنسخة من كتاب الشهنامة للفردوسي (رقم 59 تاريخ فارسي)، كتبها محمد السمرقندي سنة 844ه/1440م وفيها خمس وستون ومئة صورة، ولكن أكثرها أعيد نقشه في عصر متأخر فقلت قيمته الفنية. والواقع أن دار الكتب المصرية ليست غنية بالمخطوطات المصورة بالرسوم الإيرانية أو الهندسية وما فيها ليس من نوع طيب، اللهم مخطوط واحد فيه صور لبهزاد ويعلو مستواه كثيرا عن سائر المخطوطات المصورة فيها ، والتي تبلغ زهاء الخمسين، ولكن دار الكتب بمصر يحق لها أن تفخر بمجموعتها الفنية بالمصاحف الكبيرة المذهبة.
ويجدر بنا أن نلاحظ أن الصور الإيرانية في القرن الخامس عشر تنسب عادة إلى هراة لأن هذه المدينة كانت أهم ميدان لفن التصوير في ذلك العصر. ومع ذلك فقد كان كثيرون من أعلام المصورين ينتقلون في الدولة الإيرانية من بلد إلى بلد، وكانت المراكز الفنية المختلفة تتبادل المصورين المشهورين. ومن ثم فإننا لا نكاد نجد فرقا بين الصور التي كانت تصنع في هراة والصور التي كانت تصنع في المدن الإيرانية الأخرى كشيراز، اللهم إلا في ما كان من ريشة غير الممتازين من رجال الفن، لأن مثل هؤلاء مثل الصانع الريفي الذي تظل آثاره الفنية - إن صح تسميتها بهذا الاسم في أغلب الحالات - متأخرة عن آثار زملائه في المدن ممن يتطورون ويسيرون بخطى أوسع في سبيل التقدم ومسايرة العصر.
وهكذا نرى أن التصوير الإيراني في عصر تيمور وخلفائه خطا الخطوة الأخيرة في سبيل الكمال الذي بلغه على يد بهزاد وتلاميذه من الذين حملوا لواء هذا الفن في صدر الدولة الصفوية.
وذلك على الرغم من أن العاهلية التيمورية دب فيها الانحلال بعد وفاة شاه رخ وبدء النزاع بين خلفائه، حتى استولت قبائل التركمان على غربي إيران وقامت دولة الأوزبك في بلاد ما وراء النهر، بل واستطاعت أن تقضي على نفوذ خلفاء تيمور في شرقي إيران. ولكن هراة ظلت عاصمة التيموريين الذين تقلص نفوذهم بغير أن يؤثر ذلك في ازدهار صناعة التصوير، فكان حكم السلطان حسين بيقرا (1468-1506) من العصور الذهبية لتلك المدينة في الأدب والفن، وكان هو ووزيره مير علي شير من أكبر رعاة التصوير في التاريخ الإيراني حتى ظهر في خدمتهم بهزاد صاحب الآثار الفنية البديعة في التصوير الإسلامي.
بهزاد ومدرسته
ولد بهزاد في مدينة هراة في بداية النصف الثاني من القرن الخامس عشر وتقول بعض المصادر التاريخية إنه تلقى النقش والتصوير عن فنان اسمه بير سيد أحمد التبريزي، كما تذهب مصادر أخرى إلى أن أستاذه هو المصور ميرك نقاش من هراة، وعلى كل حال فالكل مجمعون على أن بهزاد نشأ نشأة فنية طيبة ونعم برعاية السلطان حسين بيقرا ووزيره مير علي شير.
ولم يبرح بهزاد مدينة هراة حتى وقعت في يد الشاه إسماعيل الصفوي سنة 1510، فانتقل معه - إن طائعا أو مكرها - إلى تبريز حيث زاد نجمه بزوغا ونال من الشرف والفخار في خدمة الشاه إسماعيل، ثم ابنه طهماسب، ما لم ينله آخر في التاريخ الإسلامي، وقد روت بعض الكتب أن الشاه إسماعيل حين نشبت الحرب بينه وبين الترك سنة 1514 أبدى جزعه من أن يقع بهزاد والخطاط المشهور شاه محمد نيشابوري في يد أعدائه، فأخفاهما في قبو، ولما انتهت المعركة وعاد الشاه إسماعيل كان أول همه أن يطمئن على حياة هذين الفنانين العظيمين.
صفحه نامشخص