قصدتك لحاجة ١ كذا، فإما أن تقضيها أو تشفع لي عند فلان في قضائها فكل أحد يعرف الفرق بين العبارتين كما فرق القرآن بينهما في قول صاحب يس ﴿أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِي الرَّحْمَانُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنقِذُونِي﴾ [يس:٢٣] .فالإنقاذ هو بالنصرة والمظاهرة، والشفاعة بالجاه والمكانة.
قال ابن القيم بعد كلام سبق على الآية: إن العابد يريد من معبوده أن ينفعه وقت الحاجة دائما، وإن أرادني الرحمن الذي خلقني بضر لم يكن لهذه الآلهة من القدرة ما تنقذني بها من ذلك الضر، ولا من الجاه والمكانة ما تشفع لي إليه لأتخلص ٢ من ذلك الضر فبأي شيء تستحق العبادة، إني إذا لفي ضلال مبين إن عبدت من دون الله ٣ من هذا شأنه. انتهى.
وقال البيضاوي: ﴿أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِي الرَّحْمَانُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنقِذُونِي﴾ [يس:٢٣] . أي لا تنفعني شفاعتهم، ولا ينقذون بالنصر والمظاهرة: ﴿إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ [يس:٢٤] .فإن إيثار من لا ينفع ولا يدفع ضرا بوجه ما على الخالق المقتدر على النفع والضر وإشراكه به ضلال مبين لا يخفى على عاقل. انتهى.
وقوله: إن الإنقاذ والأخذ باليد هو أيضا بالشفاعة لأن غير الشافع يكون استقلالا من دون الله ولا يتصور اعتقاد هذا من مسلم.
قلت: ولا يتصور ذلك من أحد من مشركي العرب الذي بعث إليهم محمد ﷺ فإنهم كلهم معترفون بأن آلهتهم لا تخلق ولا ترزق ولا تدبر شيئا من دون الله، ونصوص القرآن كثيرة في ذلك كما قال تعالى: ﴿قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنْ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنْ الْمَيِّ تِ
_________
١ في "ط" " لحاجتي".
٢ في "ط" " ولا تخلصني"
٣ سقطت "من دون الله" من "أ".
1 / 46