تأسیس متافیزیقا اخلاق
تأسيس ميتافيزيقا الأخلاق
ژانرها
بل من فلسفة شعبية، لا تتجاوز في سيرها النقطة التي تستطيع أن تصل إليها بالتلمس مستعينة بالأمثلة، إلى الميتافيزيقا (التي لا تدع شيئا تجريبيا يوقفها عن سيرها والتي تستطيع في كل الأحوال؛ إذ يكون من واجبها أن تحصر كل ما يندرج تحت المعرفة العقلية من هذا النوع، أن تصعد إلى المثل،
15
هناك حيث تتخلى الأمثلة [التجريبية] نفسها عنا) أقول إن علينا لكي نخطو في هذا البحث خطوات طبيعية أن نتتبع الملكة العملية للعقل ابتداء من القواعد العامة التي تحددها، إلى النقطة التي ينبثق عندها تصور الواجب منها وأن نعرض للحديث عنها عرضا واضحا.
كل شيء في الطبيعة يخضع لقوانين. الكائن العاقل وحده هو الذي يملك المقدرة على السلوك بحسب تصور القوانين؛ أي بحسب مبادئ، أو بعبارة أخرى هو الكائن الذي يملك «الإرادة» لذلك. ولما كان «العقل» مطلوبا لأجل استنباط الأفعال من القوانين، فليست الإرادة سوى عقل عملي، وإذا كان العقل بغير نزاع هو الذي يعين الإرادة، فإن الأفعال التي تصدر عن مثل هذا الكائن ، والتي تعرف من الناحية الموضوعية بأنها ضرورية، هي كذلك من الناحية الذاتية أفعال ضرورية؛ أي إن الإرادة ملكة اختيار ذلك «الفعل» وحده الذي يعرف العقل، مستقلا عن الميول والنوازع، إنه ضروري من الناحية العملية أي إنه خير. فإذا لم يتمكن العقل وحده من تعيين الإرادة تعيينا كافيا، فمعنى هذا أن الإرادة ما تزال تخضع لشروط ذاتية (أو لبعض الدوافع) التي لا تتفق دائما مع الشروط الموضوعية. وبالجملة فإنه إذا كانت الإرادة «في ذاتها» لا تتفق مع العقل اتفاقا تاما (كما هو الحال مع بني الإنسان) فإن الأفعال التي تعرف من الناحية الموضوعية بأنها أفعال ضرورية تكون عندئذ من الناحية الذاتية أفعالا عارضة، ويسمى تعيين مثل هذه الإرادة بمقتضى قوانين موضوعية «إلزاما»،
16
أي إن العلاقة التي تربط القوانين الموضوعية بإرادة لم يتمكن منها الخير تماما يمكن التعبير عنها بأنها تعيين إرادة كائن عاقل بوساطة مبادئ عقلية حقا، ولكن لا تستطيع هذه الإرادة بطبيعتها أن تطيعها بالضرورة. إن تمثل مبدأ موضوعي، من حيث إنه ملزم للإرادة، يدعي أمرا (عقليا)، والصورة التي يصاغ فيها هذا الأمر يطلق عليها الأمر المطلق.
كل الأوامر الأخلاقية المطلقة يعبر عنها بفعل «يجب» وتدل بذلك على علاقة قانون موضوعي للعقل بإرادة ما، هي بحسب تكوينها الذاتي لا تعين بالضرورة بوساطة هذا القانون (إلزام)، إنها [أي الأوامر المطلقة] تقول إن من الخير الإقدام على فعل شيء أو اجتنابه، غير أنها توجه هذا القول لإرادة لا تقدم دائما على فعل شيء لأنها تصورت أن من الخير الإقدام على فعله. ولكن الفعل يكون من الناحية العملية خيرا إذا كان يعين الإرادة عن طريق تصورات العقل، وبالتالي إذا كان لا يصدر عن أسباب ودوافع ذاتية بحتة، لها دلالتها بالنسبة لهذا الشخص أو ذاك، بوصفها مبدأ من مبادئ العقل يصلح لكل إنسان.
17 ⋆
إن الإرادة الخيرة التي بلغت من ذلك أوفى درجة ستظل خاضعة لقوانين (الخير) الموضوعية، ولكننا لن نستطيع من أجل ذلك أن نصورها كما لو كانت «ملزمة» بالإقدام على أفعال مطابقة للقانون ؛ ذلك لأنها من تلقاء نفسها، وبمقتضى تكوينها الذاتي، لا يمكن تحديدها إلا عن طريق تصور الخير. وهذا هو السبب في أن الأوامر الأخلاقية المطلقة لا تنطبق على الإرادة «الإلهية» ولا على الإرادة «المقدسة» بوجه عام. إن فعل «يجب» يكون هنا في غير مكانه الصحيح؛ لأن فعل «الإرادة» يتفق من تلقاء ذاته اتفاقا ضروريا مع القانون؛ لذلك كانت الأوامر الأخلاقية المطلقة مجرد صيغ شكلية للتعبير عن علاقة القوانين الموضوعية للإرادة بوجه عام بالنقص الذاتي في إرادة هذا الكائن العاقل أو ذاك؛ أي في إرادة الإنسان.
كل الأوامر الأخلاقية تصدر أوامرها إذن بطريقة «شرطية» أو بطريقة «مطلقة».
صفحه نامشخص