فاقتضى أن ما سلم من الشبه الذي ذكره أولا يكون معربا أبدا، وهذه الألفاظ مبنية على هذا التقدير، وهي خالية من هذه الأسباب. فالجواب: أنه أراد بالمعرب: المعرب بطريق الأصل والوضع، لا بطريق الاستغراق والجمع. ولا شك أن القواعد الكلية والحدود الذاتية إذا ذكرت فإنما المقصود بها بيان الأصل أو المقصود من الجملة، وهذه الأسباب بناؤها عارض؛ فلا يعترض بها.
وبالجملة: فالكلم (¬1) المعربة التي يدخلها البناء لها حالتان: حالة بناء لعدم المعاني الموجبة للإعراب، فالبناء وصف لازم لها قبل التركيب، وحالة إعراب عند وجود المعاني المقتضية للتركيب. وإنما أطلقوا عليها اسم (المعرب) نظرا إلى الحالة الثانية [24أ] دون الأولى لصلاحيتها للإعراب عند وجود تلك المعاني، كما يطلق على (السيف) أنه قاطع، وهو (¬2) في غمده لصلاحيته للقطع عند الضرب، وعلى (الماء) أنه (مرو) لصلاحيته للري عند الشرب.
ولنختم الكلام بكلمات لابد من التنبيه عليها:
أحدها: أنه لا يرد على الناظم علل البناء في الأفعال والحروف؛ لأنه لم يتكلم في علة مطلق البناء، ولأن البناء في الحروف [44ب] والأفعال أصل. والأصول لا تعلل. أما الحروف فبالإجماع (¬3)، وأما الأفعال فكذلك عند البصريين (¬4)؛ ولهذا لم يتعرض الناظم لعلة الإعراب، وتعرض لعلة البناء؛ فدل على أن الإعراب هو الأصل، وأن الأصل لا يسأل عن علته، وأن ما خرج منها عن أصله يحتاج إلى العلة.
وقال بعض العلماء: إنه لا يحتاج إلى تعليل المبنى؛ لأن المعرب: ما تكلم به أول من نطق بالعربية ونقلها من اللسان القديم الذي كان غير (¬5) معرب. والمبني: ما بقى على أصله غير مصلح؛ ولذلك سمي معربا من (التعريب). وهو نقل لغة وإصلاحها إلى لغة أخرى.
ورد بوجهين: أحدهما: أن المبني في لغة العرب منه ما يفيد الاختصار والإيجاز لعمومه، كأسماء الشرط والاستفهام. وهذا المعنى معقول في لغة العرب؛ فلا يصح أن يكون من اللسان القديم الذي لم يصلحه الناطق بالعربية.
والثاني: أن دعوى أنه أصلح البعض دون البعض تحكم لا يقوم عليه برهان. وهذا الخلاف موجود في كلام جماعة منهم ابن الدهان في الغرة فإنه حكى قولين في أن البناء سابق على الإعراب أو بالعكس (¬6).
الثاني: أن هذه الأسباب التي ذكرها الناظم موجبة لبناء الاسم، ونقله [45ب] ابن إياز عن الأكثرين، قال: "وذهب عبد القاهر في شرح الإيضاح إلى أنها مجوزة له. واستدل ب (أي) فإنها تعرب إلا في حالة واحدة (¬7)، ولو كانت العلل موجبة لذلك لوجب بناؤها" (¬8).
صفحه ۶۲