التنبيه الثالث: ظاهر كلام النحويين أن الاسم المضمن يدل على معنى من جهة الاسمية ومن جهة الحرفية التي تضمنها (¬1)، وصرح الزمخشري في الكشاف (¬2) بخلاف ذلك؛ فقال في قوله تعالى: {هل أنبئكم على من تنزل الشياطين} (¬3):
"فإن قلت: كيف دخل حرف الجر على (من) المتضمنة لمعنى الاستفهام، والاستفهام له صدر [17ب] الكلام؟ ألا ترى إلى قولك: (أعلى زيد مررت؟). [ولا تقول: (على أزيد مررت؟)] (¬4)
قلت: ليس معنى التضمن أن الاسم دل على معنيين معا: معنى الاسم ومعنى الحرف. وإنما معناه: أن الأصل: (أمن) فحذف حرف الاستفهام، واستمر الاستعمال على حذفه، كما حذف من (هل). والأصل: (أهل)، قال (¬5):
.................... أهل رأونا بسفح القاع ذي الأكم
فإذا أدخلت حرف الجر على (من) فقدر (¬6) الهمزة قبل حرف الجر في ضميرك، كأنك تقول: (أعلى من تنزل الشياطين؟)، كقولك: (أعلى زيد مررت؟) " انتهى.
وقال صاحب البسيط: قال أبو علي: حرف الاستفهام على مذهب سيبويه يقدر معها، وحذف للعلم به، وكذا قال في حرف الشرط (¬7).
وعلى هذا فالبناء في الاستفهام والشرط بالنظر إلى الحرف المحذوف؛ لأنه في حكم المنطوق به لا بالنظر إلى الاسم. وهذا ضعيف؛ لأنه ينفي علة بناء الاسم؛ لأن تقدير حرف الاستفهام مع الاسم المعرب لا يوجب له البناء؛ فالوجه المصير إلى تضمن معنى الحرف؛ لتحقق علة البناء مع إفادة المعنى.
الأمر الثاني: مما اعترض به على الناظم: انتفاضه بالمضاف، نحو: (غلام زيد) فإن المضاف إليه مجرور بالمضاف لا بحرف الجر المقدر على الأصح (¬8)، خلافا للزجاج (¬9)؛ إذ لو كان بحرف الجر لامتنع في الإضافة غير المحضة، فإن [18ب] حرف الجر غير مقدر فيها، فقد تعقلنا تضمن المضاف معنى حرف الجر على القول الأصح، ومع ذلك فهو معرب.
صفحه ۴۱