الجزء الثاني من تشريف الايام والعصور ب السلطان الملك المنصور
صفحه نامشخص
بسم الله الرحمن الرحيم
و به أثق
وفي هذه السنة وردت الأخبار من حلب المحروسة بأن الزيارة توجهت إلى الروم وكانوا في ستمائة راكب أو سبعمائة راكب وانهم صادفوا قافلة تقدر مائی جمل خارجة من بلاد سيس إلى الروم فنهبوها وكانت موسعة سكرا وصابونا وفستقا ورصاصا وقطنا، فركب إليهم اكبر أمراء الروم المعروف بابن قطنى ومعه ثلاثة راكب فقتلوه وقتلوا جماعة من أصحابه تقدير مائتي فارس وجرحوا أكثرهم ووصلوا إلى اركان نهرب النائب
صفحه ۱
ذكر هلاك أبغا ورجوع الملك إلى تکدار المسمي أحمد
صفحه ۲
وفي هذه السنة تواترت الأخبار بموت أبغا بن هلاون وذلك لما ناله عقيب کيرة منكور" من رعب وخوف ولما شاهد. من هول بقتل عساكره وأكابر المغل وبينما هو في هذا الحال إذ بلغه أن خزائنه وخزائن أيه كانت في رنج من قلعة على البحر، وأن ذلك البرج خسف الله به، وغارت الأرض به في البحر بجميع ما فيه، ولم يسلم إلا قطعة من البرج.
قيل: إن أبنا دخل إلى الختام وخرج منها، فسمع اصوات جملة كبيرة من الغربان وهي تنعق، فقال: هذه تقول: أبغامات، أيغامات. وركب من الحمام، فإذا كلاب صيده كلها عوت في وجه فتشاءم بذلك. ومات أبغا في نصف ذى الحجة سنة ثمانين وستمائة في قرية من قرى هذان اسمها نایل - وقيل في بلد اسمها کرماشاهان من بلد هذان.
وسبب موته أنه لما عاد من جهة الرحبة تصيد وساق وراء غزال، فتقنطر من
صفحه ۳
ومات منكوتمر بن هلاون، وهو متوجه من بلاد الجزيرة إلى الأزدر في مكان يعرف بتل بوخنزير دون الخضكونة و كفر مار، وحمل تابوته إلى الجزيرة.
وذكر أن سبب موت منسكوتر ما ناله في المضاف من جراح مثخنة، ورعبات متمكنة. وما مات حتى أكل لسانه بأسنانه، وأني على أكثر من نصفه. وكفن في أربعة اثواب من النسيج، وجعل في تابوت، وسير إلى تلا، فدفن بها.
ولما مات أبغا بن ملاون وقع الاختلاف فيمن يقعد في التخت فتعب جماعة لأحمد ابن هلاون. واسمه الحقيقي ت دار، واسم أمه وخانون، وهي نصرانية. واتفقوا على إتماده في تخت الملك. وما هان على بعض المغل قعود أحمد ؛ لأنه ادعى أنه مسلم. خضر أخوه قتغرطای، وقال لأرون بن هلاون: إن أبنا شرط في الياسة أنه إذا مات ملك ما يقعد عرضه إلأ الأكبر من أولاده. وقد رتبنا أحمد، ومن خالف يموت. فأطاعوه. وسيروا الأجية لإحضار الملوك ليكتبوا خطوطهم بالارتقاء بالملك أحمد.
ولما جرى ذلك تحدثوا فيما بينهم في أن قدرتهم قد ضعفت، ورجالهم قتلت وان المسلمين كلما راحوا، في قوة، وأنه لا حيلة في هذا الوقت أنتم من إظهار الإسلام والتقرب إلى مراضی مولانا السلطان واكتفاء بأسه بذلك. و إشاعة هذا الأمر في
صفحه ۴
بسم الله الرحمن الرحيم، لا إله إلا الله، محمد رسول الله. وانا جلسنا على کرمی الملك، ونحن مسلمون. فيتلقون أمل بغداد هذه البشرى، ويعتمدون في المدارس والوقوف وجميع وجوه البر ما كان يعتمد في أيام الخلفاء العباسيين. و وجع كل ذي حق إلى حقه في أوقاف المساجد والمدارس، ولا يخرجون عن القواعد الإسلامية. وأنتم يا أهل بغداد مسلمون. وسمعنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تبرح هذه العصابة الإسلامية مستظهرة إلى يوم القيامة. وقد عرفنا أن هذا الخبر خبر صحيح، ورسول صحيح. ورب واحد أحد فرد صمد. فتطيبون قلوبكم وتكتبون إلى البلاد جميعها. وشرع الملك أحمد في تجهيز زل إلى أبواب مولانا السلطان. فسير قاضي القضاة قطب الدين محمود الشيرازي قاضی سیواس، والأمير بهاء الدين أتابك السلطان مسعود صاحب الروم، والأمير شمس الدين بن الصاحب أحد خواص صاحب ماردين. ومعهم جماعة كبيرة من أتباع وأشياع وغلمان و ماليك وخواص و تجمل عظيم. فوصلوا البيرة وكان ذلك، لا بلغ مولانا السلطان كتب إلى النواب بالاحتراز عليهم، وأن أحدة من خلق الله لا يرام، ولا يجتمع بهم، ولا يتحدث معهم بكلمة، ولا يسار بهم إلا في الليل. فدخل بهم إلى حلب في ليلة السبت الحادي والعشرين من جمادى الآخرة وأنزلوا بها خفية من غير أن يعلم بهم أحد. هم أحفروا إلى دمشق، ومنها إلى مصر وأدخلوا بالليل وأحضروا بين يدي مولانا السلطان. فقبلوا الأرض بين يديه. وأحضروا بين ايديهم كتابا ومشافهة تحدثوا بها.
صفحه ۵
ونسخة الكتاب المذكور الوارد على يد رله: القاضي قطب الدين الشيرازي، والأثابك بهاء الدين، وشمس الدين بن الصاحب وهو بغیر عنوان ولا ختم. وفيه طمنات) هر ثلاث عشرة طمنة: بسم الله الرحمن الرحيم، بقوة الله تعالى، بإقبال قا أن، فرمان أحمد إلى سلطان مصر: أما بعد، فإن الله سبحانه وتعالى بسابق عنايته، ونور هدايته، قد كان أرشدنا في عنفوان الصبا ورعان الحداثة، إلى الإقرار بربو بيته، والاعتراف بوحدانيته، والشهادة محمد عليه أفضل الصلوات والسلام، بصدق نبوته، وممن الاعتقاد في أوليائه الصالحين من عباده في بريته. وأن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ). فلم نزل نميل إلى إعلاء كلمة الدين، و إصلاح أمور الإسلام والمسلمين، إلى أن أفتى بعد اينا الجيد وأخينا الكبير نو به الملك إلينا، فأفاض علينا من جلابيب ألطافه ولطائفه، ما حقق به آمالنا في جزيل آلائه وعوارفه. وجلا هذي المملكة علينا. وأهدى عقيلتها إلينا. فأجتمع عندنا في قوريلتالى المبارك - وهو المجمع الذي تقدم فيه الآراء - جميع الإخوان والأولاد والأمراء الكبار، ومقدمو العساكر وزعماء البلاد - واتفقت كلمتهم على تنفيذ ما سبق به حكم أخينا الكبير، في إنقاذ الجم الغفير من عساكرنا التي ضاقت الأرض بحبها من كثرتها، وامتلأت الأرض رغبا لعظيم صولتها، وشديد بطشتهم إلى تلك الجهة، بيهة تخضع لها مع الأطواد وعزمه تلين لها الصلاد. ففكرنا فيها تمخضت زبدة عزائمهم عنه. واجتمعت أهواؤم وآراؤهم عليه. فوجدناه مخالفة لما كان في ضميرنا من اقتناء الخير العام، الذي هو عبارة عن تقوية شعار الإسلام. وألا يصدر عن أوامرتا - ما أمكننا - إلا ما يوجب حقن الدماء، وتسكين الدهاء، وتجرى به في الأقطار زاء نسائم الأمن والأمان، و بستريح به المسلمون في سائر الأمصار في مهاد الشفقة والإحسان، تعظيما لأمر الله، وشقة على خلق الله. فألهمنا الله - تعالى - إطفاء تلك الثائرة، وتسكين الفتن الثائرة، و إعلام من أشار بذلك في الرأي بما أرشدنا إليه: من تقديم ما يجي به شفاء مزاج العالم من الأدواء. وتأخير ما يجب أن يكون آخر الدواء، وأننا لا نحب المسارعة إلى هز النصال النضال، إلا بعد إيضاح الحجة، ولا أذن لها إلا بعد تبيين الحق وتركيب الحجة. وقتی عزمنا على ما رأيناه من دواعي الصلاح. وتنفيذ ما ظهر لنا به وجه النجاح. إذکار شيخ الإسلام قدوة العارفين كمال الدين، عبد الرحمن الذي هو نعم العون لنا في أمور الدين. فأصدرناه رحمة من الله لمن دعاه. ونقمة على من أعرض عنه وعصاه وانفذنا أقضي القضاة قطب الليلة والدين، والأثابك بهاء الدين، الذين ما من تقاته هذه الدولة الزاهرة، ليعرفام طريقتنا.
صفحه ۶
ويتحقق عندهم ما تنطوي عليه لعموم المسلمين جميل نيتنا. ويبين لهم أننا من الله على بصيرة، وأن الإسلام يجب ما قبله، وأنه تعالى ألقي في قلبنا أن نتبع الحق وأهله، و يشاهدون عظیم نعمة الله على الكافة بما دعانا إليه: من تقديم أسباب الإحسان، ولا يحرموها بالنظر إلى سالف الأحوال فكل يوم هو في شأن. فإن تطلعت نفوسهم إلى دلیل تستحکم بسببه دواعي الاعتياد، و جة يثقون بها من بلوغ المراد، فلينظروا إلى ما ظهر من مآثرنا، ما اشتهر خبره ، وعم أثره، فإننا ابتدأنا - بتوفيق الله تعالى - بإعلاء أعلام الدين و إظهاره، في إيراد كل أمر و إصداره تقدیما، و إقامة نوامیس الشرع الحدي على مقتفي قانون العدل الأحد إجلالا وتعظيا. وأدخلنا السرور على قلوب الجمهور وعفونا عن كل من اجترح سيئة أو اقترف، وقابلناه بالصفح وقانا عفا الله ئاساف. وتقدمنا بإصلاح امور أوقاف المسلمين من المساجد والمشاهد والمدارس، وعمارة بقاع البر والربط الوارس، و إيصال حاصلها بموجب عوائدها القديمة إلى مستحقيها الشروط واقفيها، ومنمنا أن يلتمس شيء مما استحدث عليها، وألا يغير أحد مما قرر أولا فيها. وأمرنا بتعظيم أمر الحاج وتجهيز وفدها، وتأمين شبلها وتسيير قوافلها. و إنا أطلقنا سبيل التيار المترددين إلى تلك البلاد ليسافروا بحسب اختيارهم على أحسن قواعدهم، وحرمنا على العساكر والقراغول والشحاني في الأطراف التعرض بهم في مصادرم ومواردهم، وقد كان صادف قراغولنا جاسوسا في زي الفقراء كان سبيل مثله أن يهلك، فلم برف دمه لزمة ما حرمه الله تعالى، وأعدناه إليهم. ولا يخفى عنهم ما كان في إنفاذ الجواسيس من الضرر العام المسلمين، فإن عساکرنا طالما رأوم في زي الفقراء والنتاك وأهل الصلاح فاءت ظنونهم في تلك الطوائف، فقتلوا منهم من قتلوا، وفعلوا بهم ما فعلوا، وارتفعت الحاجة بحمد الله تعالى إلى ذلك بما صدر إذنا به من فتح الطريق وتردد التجار وغيرهم، فإذا أمعنوا النكرا في هذه الأمور وأمثالها لايخفى عنهم أنها أخلاق جبلية طبيعية وعن شوائب التكاف والتصنع عربة. و إذا كانت الحال على ذلك فقد ارتفعت دواعي الفئة التي كانت موجية الحالمة، فإنها كانت بطريق الدين، والذب عن حوزة المسلمين، فقد ظهر بفضل الله تعالى في دولتنا النور المبين. وإن كانت لما سبق من الأسباب فن تحري الآن طريق الصواب، فإن له عندنا الزلفي وحسن مآب. وقد رفعنا الحجاب، وأتينا بفضل الخطاب وعرفناهم ما عزمنا عليه بنية خالصة لله تعالى على استئنافها، وحرمنا على جميع عما كرنا العمل بخلافها، لنرضی بها الله والرسول، وتلوح على صفحاتها آثار الإقبال والقبول. وتستريح من اختلاف الكلمة هذه الأمة، وتنجلى بنور الائتلاف ظلة الاختلاف والفنية. فتسكن في سابق ظلها البوادي والحواضر، وتقر القلوب التي بلغت من الجهد الحناجر، ویعفی عن سالف المئات والجراثر، فإن وفق الله سلطان مصر لاختيار ما فيه صلاح المائة، وانتظام أمور بنی آدم، فقد وجب عليه المسك بالعروة الوثقی، وسلوك الطريقة المثلى فتح أبواب الطاعة والاتحاد، و بذل الإخلاص بحيث تتعمر تلك الممالك والبلاد، وتسكن الفتنة الثائرة، وتغمد السيوف الباترة، وتحل الكافية أرض الهويني وروض المدون، وتخلص رقاب المسلين من أغلال الذل والهون. وإن غلب سوء الظن بما تفضل به واهب الرحمة، وتتم عن معرفة قدر هذه النعمة، فقد ش كر الله مساعينا وأبلى عذرنا، وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا، والله الموفق نفرشاد والسداد، وهو المهيمن على البلاد والعباد، وحسبنا الله وحده.
صفحه ۸
كتب في أواسط جمادى الأولى سنة إحدى وثمانين وستمائة مقام الإطلاق.
وكتب مولانا السلطان جوابه :
بسم الله الرحمن الرحيم، بقوة الله تعالى بإقبال دولة السلطان الملك المنصور :
كلام قلاون إلى السلطان أحمد:
أما بعد حمد الله الذي أوضح بنا ولنا للحق منهاجا، وجاء بنا نخجاء نصر الله والفتح ودخل الناس في دين الله أفواجا. والصلاة على سيدنا ونبينا محمد الذي فضله الله على كل نبی، نجی به أمته، وعلى كل نبي ناجي، صلاة تنير ما دجا وتنير من داجي، فقد وصل الكتاب الكريم، المتلقي بالتكريم، المشتمل على النبأ العظيم: من دخوله في الدين، وخروجه من خلف من العشيرة والأقربين.
صفحه ۱۰
ولما فتح هذا الكتاب فاتح بهذا الخبر للعمر الث. والحديث الذي ص ح عند أهل الإسلام إسلامه، وأصح الحديث ما روي عن مسلم. وتوجهت الوجوه بالدعاء إلى الله سبحانه في أن يثبته على ذلك بالقول الثابت، وأن يذبت حب حب هذا الدين في قلبه كما أنبت أحسن التبت من أخشن المنابت.
وحصل التأمل للفصل المبتدأ بذكره من حديث إخلاصه النية في أول العمر، وعنفوان الصبا إلى الإقرار بالوحدانية، ودخوله في اليلة المحمدية، بالقول والعمل والنية. فالحمد لله على أن شرح صدره للإسلام، وألهمه شريف هذا الإلهام، کحمدنا لله على أن جعلنا من السابقين الأولين إلى هذا المقال والمقام )، وثبت أقدامنا في كل موقف اجتهاد وجهاد تزلزل دونه الأقدام. وأما إفضاء التوبة في الملاك وميراثه بعد والده وأخيه الكبير إليه، و إفاضة جلابيب هذه المواهب العظيمة ) عليه، وتوقله الأسرة التي ملئرها إيمانه، وأظهرها سلطانه، فلقد أورتها الله من اصطفاه من عباده، وصدق المبشرات له من كرامة أولياء الله و ماده.
واما حكاية اجتماع الإخوان والأولاد والأمراء الكبار ومفدي الماكر وزعماء البلاد في مجمع موريتاي الذي تتقدح فيه زبدة الآراء، وان كلهم قد اتفقت على ما سبقت به كلمة أخيه الكبير في إنفاذ العساكر إلى هذا الجانب، وأنه فكر فيها اجتمعت عليه آراؤهم، وانتهت إليه أهواؤهم فوجده مخالفا لما في ضميره ؛ إذ قصده الصلاح، ورايه الإصلاح، وأنه أطفأ تلك التارة وسكن تلك الثائرة فهذا فمل الملاك التقى، الشيق من قومه على من بقي، الفكر في العواقب، بالرأي الثاقب، و إلا فلو تركوا وآراءهم حتى تحملهم الغرة، لكانت تكون هذه الكرة في الكرة. لكن هو كمن خاف مقام ربه وهي النفس عن الهوى، ولم يوافق فول من ضل ولا نمل من غوی. وأما القول منه: إنه لا يحب المسارعة إلى القارعة إلا بعد إيضاح المحجة، وتركيب الحجة، فبانتظامة في سلك الإيمان صارت حجتنا وحجته المترتبة: على من غدت طواعيه عن سلوك هذه المحجة متنكبة، فإن الله تعالى والناس كافة قد علموا أن قيامنا إنما هو النعرة هذه اليلة، وجهادنا واجتهادنا، إنما هو على الحقيقة له. وحيث قد دخل معنا في الدين هذا الدخول، فقد ذهبت الأحقاد وزالت الأول، و بارتفاع النافرة، تحصل المضافرة. فالإيمان كالبنيان يشد بعضه بعض ومن أقام مناره فله أهل بأهل في كل مكان، وجيران بجيران في كل أرض، وأما ترتب هذه القواعد ائة) على إذکار شيخ الإسلام، قدوة العارفين كمال الدين عبد الرحمن - أعاد الله من بركاته - فلر لولى قبل كرامة كهذه الكرامة، والرجاه ببركته و بركة الصالحين أن نصبح كل دار الإسلام دار إقامة، حتى تم شرائط الإيمان، و يعود شمل الإسلام مجتهما كأحسن مما كان. ولا يكره لمن لكرامته ابتداء هذا المكن في الوجود، أن كل حق ببركته إلى نصابه بمود.
صفحه ۱۱
وأما إنقاذ أقضي القضاة قطب الله والدين، والأثابك بهاء الدين و الموثوق بنقلهما في إبلاغ رسائل هذه البلاغة، فقد حضرا واعادا كل قول حسن من حوالى أحواله وطرات خاطره ومنتظرات ناظره. ومن كل ما يشكر و يحمد، و يمنعن حديهما فيه عن مسند أحمد.
صفحه ۱۲
وأما الإشارة إلى النفوس إن كانت لها تطلع إلى إقامة دليل، تستحکم بسیه دواعي الود الجميل فلينظر إلى ما ظهر من مآثره، في موارد الأمر ومصادره، ومن المذل والإحسان، بالقلب واللسان، والتقدم بإصلاح الأوقاف والمساجد والربط ونسبيل الشبل للحج إلى غير ذلك. فهذه صفات من يريد الملكه الدوام - فلا ملك عدل، ولم يمل إلى لزم من عدا ولا تؤم من عنل. على أنها وإن كانت من الأفعال الحسنة، والثوبات التي تستنطق بالدعاء الألسنة، فهي واجبات تؤدي، وقات بمثلها يبدي، وهو أكبر من أنه بإجراء أجر غيره يفتخر أو عليه يقتصر، او له بلآخر. بل إنها تفر الملوك الأكابر برد مالك على ملوكها، ونظمها على ما كانت عليه في سلوكها. وقد كان والده فعل شيئا مع الملوك السلجوقية وغيرهم وما كان أحد منهم بدينه. بدين، ولا دخل معه في دين. وأقرهم في ملكهم، وما زحزحهم عن ملكهم ويجب عليه ألا يرى حقا مغتصبا ويأبى إلا رده، ولا باعا متدأ بالظلم ويرضى إلأ صد.. حتى إن أسباب ملکه تقوى، وأيامه تتزين بأفعال التقوى.
وأما تحريمه على العساكر والقراغولات والشحاني بالأطراف التعرض إلى أحد بالأذى و إصفاه موارد الواردين والصادرين من شوائب القدي فمن حين بلغنا تقدمه بمثل ذلك تقدمنا أيضا بمثله إلى سائر نوابنا بالرحبة والبيرة وعنتاب، وإلى مقدى العساكر بأطراف تلك الممالك و إذا اتحد الإيمان وانعقدت الأيمان تحتم هذا الإحكام، وترتب عليه جميع الأحكام.
صفحه ۱۳
وأما الجاسوس الفقير الذي أمك وأطاق ، وأن يسبب من يتزا من الجواسيس بزي الفقراء قتل جماعة من الفقراء الصلحاء رجما بالظن فهذا باب من تلقاء ذلك الجانب كان نحه، وند من ذلك الطرق كان قده. وكم من متزی بفقير من ذلك الجانب سروه والى الاطلاع على الأمور سوروه. وأظفر الله منهم بجماعة كبيرة فرفع عنهم السيف، ولم يكشف ما غطوه بخرفة الفقر بل ولا كيف. وأما الإشارة إلى أن باتفاق الكلمة تنجلي ) الاختلاف، وتدير بها من الخيرات الأخلاف، و يكون بها صلاح العالم، وانتظام شمل بنی آدم، فلا راد لمن فتح أبواب الاتحاد وجنح إلى السلم وما حاد ولاحاد). ومن ثنى عينانه عن المكانة، كان كنم يد المصالحة الصاغة. والصلح و إن كان سيد الأحكام فلا بد من أمور تبني عليه قواعده، و بعلم من مدلوله فوائده. فالأمور المبسطورة في كتابه می کلیات لازمة يمر بها كل مغني ومنكم، إن تهيأ صلح أو لم. وثم أمور لا بد وأن تحكم، وفي سينكها عقود المعهود نظم. قد تحملها بلسان المشافهة التي إذا أوردت أقبلت إن شاء الله عليها النفوس، وأحرزتها صدور الرسائل كأحسن ما تحرزه سطور الطروس. وأما الإشارة إلى الاستشهاد بقوله تعالى وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا فما على هذا النسق من الود بنسج ولا على هذا السبيل ينهج. بل لفضل التقدم في الدين ونصره عهود ترعى، و إفادات تستدعي. وما برح الفضل الأولوية و إن تنامي العدد للواحد الأول، ولو تأمل مورد هذه الآية في غير مكانها تروي وتأول:
صفحه ۱۴
وعندما انتهينا إلى جواب ما لعله يجب عنه الجواب من فصول الكتاب، سمعنا المشافهة التي على لسان أقضي القضاة قطب الدين فكان منها ما يناسب مافي هذا الكتاب: من دخوله في الدين، وانتظام عقده بسلك المؤمنين، وما بطه من معدلة و إحسان، مشكورة بلسان كل إنسان فالينة لله عليه في ذلك فلا يبها منه بامتنان. وقد أنزل الله على رسوله في حق من امتن" بإسلامه: « قل لا تمنوا على إسلامكم بلي الله بن عليك أن هداكم للإيمان.
ومن المشافهة أن الله قد أعطاه من العطاء، ما أغناه عن امتداد الطرف إلى ماني بد غيره من أرض وماء، فإن حصلت الرغبة في الاتفاق على ذلك فالأمس حاصل. فالجواب أن تم أمورا متي حصلت عليها الموافقة، ابني على ذلك حكم المصاحبة والمصادقة ورأى الله والناس كيف يكون تصافينا، و إذلال عدونا و إعزاز مصافينا، فكم من صاحب وجد حيث لا يوجد الأب والأخ والقرابة، وما تم أمر هذا الدين واستحكم في صدر الإسلام إلا بمضافرة الصحابة. فإن كانت له رغية معروفة إلى الاتحاد و من الوداد، وجميل الاعتضاد، وكبت الأعداء والأضداد، والاستناد إلى من يشتد الأمر به عند الاستناد فالرأى إليه في ذلك.
صفحه ۱۶
ومن المشافية أنه إن كانت الرغبة ممتدة الأمل إلى ما في يده من أرض وماء فلا حاجة إلى إنفاذ المغيرين الذين يؤذون المسلحين بغير فائدة تعود. فالجواب عن ذلك أنه إذا كفه العدوان وترك المسلمين وما لهم من مالك مكنت الدعاء، وحقنت الدماء وما أحقه ألا ينهى عن خلق و يانی مثله، ولا يأمر ببر و ينسی فعله. وقنتر طای) بالروم، وهي بلاد في أيدبك وخراجها مجبى إليكم، وقد سفك فيها وفك، وتی وهتك. و باع الأحرار، وأبى إلا التمادي على الإضرار والإصرار.
ومن المشافية أنه حصل التصميم على ألا تبطل هذه الغارات ولا تفتر عن هذه الإشارات، فيعين مكانا يكون فيه اللقاء، و يعطى الله النمر لمن يشاء. فالجواب عن ذلك أن الأماكن التي اتفق فيها ملتقى الجمين مرة ومرة ومرة قد عاف مواردها من سلم من أولئك القوم، وخاف أن يعاودها فيعاوده مصرع ذلك اليوم. فوقت اللقاء عله عند الله فلا يقدر وما النصر إلا من عند الله أن أقدر لا لمن قدر. ولا نحن ممن ينتظر قلتة، ولا ممن له إلى غير ذلك لفتة. وما أمر ساعة النصر إلا الساعة لا تأتي إلا بغتة. والله الموفق لما فيه صلاح هذه الأمة والقادر على إتمام كل خير ونعمة.
ولما انقضى شغل الرسل من أبواب مولانا السلطان وشملتهم الخلع والإنعام التام، توجهوا على الصورة التي حضروا عليها تحت الحفظ والاحتراز التام، لم يجتمع بهم أحد ولم ينظر إليهم ولا رآهم. وتوجهوا فوصلوا إلى حلب في سادس من شوال سنة إحدى وثمانين وستمائة. وتوجهوا منها إلى بلادهم.
صفحه ۱۶
وفي ربيع الأول سنة إحدى وثمانين وستمائة وردت کتب رل مولانا السلطان الذين كانوا توجهوا إلى منكوم بالهدايا إلى بيت بركة) وم الأمير شمس الدين منقر التي"، والأمير سيف الدين بلبان الركني الخاص تركي ومعهم الهدل. وهي ستة عشر تعيئة منها ما هو الملك منکوتمر، ومنها ما هو النواي، ومنها ما هو لك أركجي أخي الملاك منكوتر، ومنها ما هو لتوتامنكو أخي منكو، وهو الذي أخذ الملك. ومنها ما هو الابن أخي منكوتمر.
صفحه ۱۷
ومنها ما هو للخواتين
جبجك خاتون، والحى خاتون، ولتوتلین خاتون، ولتتایون خاتون، ولسلطان
وما هو لماوو أمير الميسرة وما هولطيرا) أمير الميمنة وما هو القليق زوجة كوجی وما هو السلطان غیاث الدین بن السلطان عز الدین صاحب الروم.
وذلك من كل شي. دی مثله: من الأقمة الفاخرة، والحلى الزاهرة، والتحف
قالوا: فلما وصلنا وجدنا القان منکوتمر قد مات وجلس مكانه تامنكو وذلك في جمادى الآخرة سنة ثمانين وستمائة، فسئوا إليه التقادم، ففرحوا بها وأحسنوا إلى الرسل إحسانا كثيرة. واجتمعوا بنوغای و بجميع من يروا إليه بالإقبال والقبول. وقالوا: إن الكرة التي كانت على مص بلغتهم في شعبان، وكانت في رابع عشر رجب.
وكانت وفاة منكوتمرالذکور موضع بعرف بأقلوقية في شهر ربيع الأول سنة تسع
وفي هذه السنة ورد إلى أبواب مولانا السلطان ولد الشريف أبي نمي أمير مكة شرفها الله ومعه جماعة كبيرة من الأشراف والأهل والأقارب وزعماء الحجاز ومعهم قود وهدايا، فركب السلطان لتلقيهم، وأحسن كرامتهم، وأنزلوا وڅدموا. وأقطعهم الإقطاعات العظيمة، لكل شریف منهم ومشروف، وأمير ومأمور. وأجرى وقوفهم التي كانت من عدة سنين معوقة عنهم. وأعطاهم لا من الأموال والإقطاعات والخلع. وسير التقدات بجميع من في الحرم الشريف ومكة. من الشرفاء والماء والقضاة وأصحاب المناصب والزوايا. وقرر لهم المرسوم، وجر الركب والكسوة. فتوجهوا على المادة صحية الأمير الاستهلار ناصر الدين الطنا الخوارزمي. وتوجه في الركب الأمير علاء الدين البندق دار، وجماعة. وكان جا مشهودا. و إنما أبو تمي أمير مكة قابل الإحسان بضده والنعم بكفرانها، فكاد بهلك و يتلف. فأذعن وأظهر الخدمة وشكر النعمة. و إنما حركاته ماخفيت على ملاحظ، وما شوهد في صورة محافظ. وجهز كبا من الشأم مقدمه الطوائي بدر الدين بدر الصوابی، ومعه جماعة من الجن والحلقة ).
صفحه ۱۸
ذكر صداق مولانا السلطان الملك الصالح
وفي هذه السنة اهتم مولانا السلطان الملك المنصور بزواج مولانا السلطان الملك الصالح. ولما كان التاسع عشر من شهر رجب سنة إحدى وثمانين وستمائة عقد العقد على بنت الأمير سيف الدين نوكيه بن بيان بن قوغان أحد الأمراء المغل في خدمة السلطان وحضر جميع الناس على اختلاف طبقاتهم من أصحاب السيوف والأقلام، والعلوم والأعلام. واحتفل الاحتفال العظيم بالشموع والنوالی والبخورات، وغير ذلك من المطعومات التي جرت العادة بها في مثل ذلك، وكان الوكيل عن مولانا السلطان الملك الصالح الأمير حسام الدين طنطای نائب السلطنة العظم، والوكيل عن الزوجة الأمير سيف الدين محمد بن أيدمر أستاذ الدار الشريفة، وكان الصداق خمسة آلاف دينار، قدم منها ألفا دينار. وحضر مولانا السلطان العقد وعقد بين يديه. وانفصل هذا اليوم على سرور تام. ودخل بيته مکتما، من غير رهج ولا إشاعة ولا تكليف أحد تقدمة ولا شيئا من الأشياء.
صفحه ۱۹
وفي هذه السنة استقرت الهدنة بين مولانا السلطان الملك المنصور وولده السلطان الملك الصالح علاء الدنيا والدين على، و بين المقدم أفرير ( کلیام دیباجوك مقدم بيت الدير به، بعكا والساحل، و بين جميع الإخوة الدیو به ) بأنطرطوس")، لمدة عشر سنين کوامل متواليات متتابعات وعشرة شهور، أول ذلك يوم الأربعاء خامس المحرم سنة إحدى وثمانين وستمائة للهجرة النبوية المحمدية ، الموافق الخامس عشر من نيسان سنة ألف وخمسمائة ثلاثة وتسعين الإسكندر بن فيلبس اليوناني، على بلاد مولانا السلطان الملك المنصور، و بلاد ولده السلطان الملك الصالح علاء الدين على، وعلى كل ماهو داخل في ملكتهما من الديار المصرية وأعمالها وتغورها وموانها، والبلاد الشامية وتنورها وحصونها وقلاعها وسواحلها وموانيها، والمملكة الحمصية و بلادها وأعمالها وقلاع الدعوة و بلادها وأعالها وملكة صهيون و بلا نس، وجبلة واللاذقية وما أضيف إلى ذلك، والملكة الحيوية وبلادها وأعمالها، والمملكة الحلبية وأعمالها و بلادها، والفراتية و بلادها وأعمالها، والفتوحات الساحلية، و بلاد حصن الأكراد و بلادها وأعمالها، وما هو داخل فيها ومنسوب إليها ومحسوب منها، حين إستقرار هذه الهدنة، من بلاد وقی و مزارع و مراجات وأراض وابراج وطواحين وغير ذلك، وملكة صافينا و بلادها وأعمالها وقراها وأسوارها، وما إستقرة لها وانضاف من القرى والبلاد إلى آخر وقت، ويعاز وأعمالها، والعريمة وأعمالها، وما هو مستقر لها ومنسوب إليها، وجلبا وأعمالها، وعرقا وأعمالها وطيبوا وأعمالها، وقلمة حضن الأكراد وأعمالها و بلادهما، والفتيات وأعمالها و بلادها ومرفية بكمالها و بلادها، وما وقع الإتفاق عليه في مناصفات بلاد المقب، وكل ما تضمنته المذنة مسهم المستقرة في الأيام المنصورية، وكل ما في هذه البلاد القريب منها والبعيد، والمجارد، والمجاور وغير ذلك من عامر ودائر، وسهل، ووعر، و بر و بحر، وموان وسواحل، وما هو في هذه البلاد من طواحين وأبراج و بساتين وانهار ومياه وشجريات ودخل )، وكل ماسيفتحه الله على يد مولانا السلطان الملاع المنصور وید ولده السلطان الملك الصالح، وعلى يد مقدى جيوشه وعاکره: من حصون ومدن وقلاع وقرى وما يتخلل ذلا من سهلی و جبل وعامر وداثر وأنهار و بساتين وموان وسواحل و بردر، وعلى أنطرطوس الجارية في يد تينت البوية، وعلى بلادها المستقرة إلى آخر وقت عند استقرار هذه المذنة المباركة وما انضاف إلى بلادها من بلاد العريمة وميعار بمقتضى المدينة الظاهرية التي يمل الأمر على حكمها. وهي سبعة وثلاثون ناحية على مافصل في المدية، على كل ما تحويه بلاد مولانا السلطان جميمها، من المقدم أفرير کلیام دیباجوك مقدم بيت الديوية ومن سائر الإخوة بأندرطوس من جميع الخيالة والتركيلية ) والفرسان، وسائر أجناس الفرنجية لا يتخلى أحد من أنطرطوس و بلادها وميناها وسواحلها إلى بلاد مولانا السلطان الملك المنصور و بلاد ولده السلطان الملك الصالح ولا إلى قلاعها ولا إلى حصونهما ولا إلى بلادها ولا إلى أراضيهما، ما عين في المدنة ومالم يمين وتكون أنطرطوسی و بلادها النية في الهدنة، ومن بها من الإخوة والفرسان والرعایا وغيرهم القاطنين والمترددين آمنين مطمئنين من مولانا السلطان الملك المنصور، ومن ولده ومن عساكرها ؟ ومن هو داخل في حكمهما )، لا يتخطى أحد إلى أنطرطوس ولا إلى بلادها ولا رعاياها بمكروه ولا غارة، إلى إنقضاء الهدنة وعلى أن الممنوعات تستمر على قاعدة المنع، وعلى أنه متى انكسر مركب أو انسحاب من بلاد مولانا السلطان ومن المترددين إليها وغيرها من سائر البلاد والأجناس والناس، في ميناء أنطرطوس وسواحلها و برورها الداخلة في هذه الهدنة يكون كل من فيها آمنين على النفوس والأموال والمتاجر والبضائع والرجال. فإن وجد صاحب الذي إنكسر أو إنعاب يسلم إليه مركبه وماله، وإن علم بموت أرغرق فيحتفظ بموجوده، ویستم لنواب مولانا السلطان. ويكون هذا الحكم المسا ينكسر في بلاد مولانا السلطان من مراكب أنطرطوس وعلى أنه لا تجدد في بلاد نطرطوس المعينة في هذه المدينة قلعة ولازج ولا حصن ولا ما يتحصن به من حفر خندق ولا غير ذلك
صفحه ۲۰
ذكر إمساك ملاك الكرج والظفر به بقوة الله تعالى
في هذه السنة بلغ مولانا السلطان أن ملك الكرج قد خرج من بلاد ليحضر إلى القدس الشريف ويعود ولا يعلم به أحد وهو من مخالفي التار) و مشایعيهم ومتابعيهم و إسمه توتا سوطينا بن کلیاری وهو مجروح بنشاب في رقبته، وفي يده اليمين حلقة ذهب. وتقدير عمره أربعون سنة، مصفر اللون، اسود العينين، ضيق الجبهة. و إسم بلده حمدود). وكان رکو به من ساحل بوط ورفيقه طيبنا بين أنكوار. وصفته: مدور الوجه ، بكير على عينه اليمين والشمال، طويل الحية، شقراء بحمرة غليظ القطعة طويل القامة.
فللوقت مير مولانا السلطان إلى كل مكان، وحفظه عليه، وصار لا يحضر إلى جهة إلا والأخبار ترد إلى مولانا السلطان بأمره. فلما وصل القدس الشريف أمسك هو ورفيقه
صفحه ۲۳