أما مؤلفاته، فمن أهمها: كتاب «كشف الفضائح اليونانية»، وليس في حاجة إلى التعليق؛ فعنوانه يوضح ما فيه، وكتاب «عوارف المعارف» وهو من المصادر الهامة لآراء مؤلفه وللأخلاق التنسكية الخاصة بطوائف الصوفية.
آراؤه: للقوى الإنسانية عند السهروردي ثلاث درجات؛ علياها الروح وهي متجهة إلى العالم اللامحس، ودنياها النفس وهي متجهة إلى العالم المحس، وبينهما القلب وهو صالح للاتجاهين الأعلى والأدنى، فقبل أن يتم نوره يكون اتجاهه موزعا بين القوتين: العليا والدنيا، ولكنه عندما تتم إنارته يتجه بكليته إلى الروح فيتصل بالعالم الروحاني، وفي هذه الحالة تنجذب النفس إلى القلب، وعلامة اتجاه النفس إلى القلب هي إحساسها بالهدوء.
وكما أبان السهروردي درجات القوى الإنسانية شرح كذلك الفرق بين الحال والمقام في التصوف فقال: إن الشيوخ لم يتفقوا في هذه المسألة على رأي قاطع؛ لأن ما هو حال عند البعض قد يكون مقاما عند البعض الآخر، ولكن أوضح الفروق بين الحال والمقام هو أن الحال متغيرة والمقام ثابت، وأن الحال إذا ارتقت صارت مقاما، وأن الحال موهوبة والمقام مكتسب بمجهود الفرد.
وقد ذكر السهروردي عددا من الأحوال والمقامات؛ فمن الأحوال: الحب والشوق، والأنس والإجلال، والانقباض والانبساط، والقرب والبعد، والاجتماع والانفصال، والبقاء والفناء.
ومن المقامات: الزهد والصبر، والخوف والرجاء، والتوكل والتواضع.
وأهم ما أثر عن هذا الصوفي بعد الذي أسلفناه هو آراؤه الأخلاقية التي تمثل الصوفي الحقيقي أصدق تمثيل، والتي هي إلى الديانتين: البوذية والمسيحية أقرب منها إلى الإسلام، فمن ذلك مثلا أنه كان يجل التواضع إلى حد المهانة التي حمل عليها الإسلام في عنف، وكان يغالي في الرحمة والصفح عن مهينيه إلى حد التمثل بقول التعاليم المسيحية: «من ضربك على خدك الأيمن فأدر له الأيسر.» وكان يدعو كذلك إلى احتمال كل ما يجيء من الآخرين. ومما أثر عنه قوله: «لو أحب الناس بعضهم بعضا وقدروا ما في الإحسان من الخير لاستغنوا عن العدالة؛ إذ العدالة أدنى مرتبة من الرحمة، ولا تستعمل الأولى إلا عند غيبة الثانية، وإن من ينفذ أوامر الرحمة أسمى ممن ينفذ أوامر القانون؛ لأن إطاعة القانون خارجية، أما إطاعة الرحمة فهي داخلية.» (7) يحيى السهروردي
حياته: هو شهاب الدين يحيى السهروردي، ولا يعرف التاريخ الصحيح شيئا عن مولده وطفولته، وإنما هو يقدمه إلينا شابا مشردا بين بغداد وأصبهان وحلب، ثم ينبئنا هذا التاريخ بأنه بينما كان السهروردي يطوف هذه البلاد الإسلامية ناشرا مذهبه بلغ أمره صلاح الدين، ونقل إليه أنه ضال مضل يبدل في دين الله ما شاء له هواه، فبعث إليه ابنه أن يقتله ففعل، وكانت وفاته في سنة 587ه، وكان عمره إذ ذاك ثمانية وثلاثين عاما، وقد جعل ذلك المؤرخين يستنتجون أنه ولد حوالي سنة 549ه، ولا يزال قبره يزار إلى الآن، وتسميه الجماهير بالشيخ المقتول.
مؤلفاته: أما مؤلفاته فأهمها: كتاب «حكمة الإشراق» وكتاب «هياكل الأنوار» وكتاب «التلويحات». والكتابان الأول والثاني من هذه الكتب يعدان أهم مؤلفاته؛ لأن آراءه النظرية قد ظهرت فيهما واضحة وضوحا يجعلنا نلمس أنه متأثر في مذهبه بحلولية الأفلاطونية الحديثة التي ظهر أثرها من قبل في الحلاج ومن هم على شاكلته، وقد حلل الأستاذ «كارادي فو» هذين الكتابين فقال ما ملخصه:
إن الفكرة الأولى التي تلهمنا إياها مطالعة هذين الكتابين هي أن الفلسفة ولا سيما التنسكية منها قد انبثقت من إلهام هو موجود منذ بدء العالم، أي إن جميع حكماء العصور القديمة والحديثة مصريين كانوا أو هنودا أو إغريقيين أو فارسيين أو عبرانيين قد بشروا جميعا تحت صور مختلفة بمذهب هو واحد في أعماقه، وأنهم لم يعرفوا هذا المذهب عن طريق النظر العقلي معرفة أساسية، وإنما عرفوه عن طريق المشاهدة التنسكية والكشف الفوقي الطبيعي.
أما الفكرة الثانية التي تخطر لقارئ هذين الكتابين فهي أنه وجد أيضا في جميع العصور الإنسانية أفراد ذوو معارف بالأسرار ومواهب لاكتشافها، وأن رئيس أولئك الأفراد في كل عصر يدعى بالإمام أو بقطب الوقت، أما الآخرون فهم أعوانه وهم يحملون أسماء مختلفة، وهذا القطب يجب أن يكون أعظم الحكماء المتنسكين في عصره، وإذا تتبعنا تعاليم هؤلاء الأقطاب في جميع العصور كما ينبغي، ألفيناها كلها متفقة في نقطها الأساسية.
صفحه نامشخص