أنا من أهوى ومن أهوى أنا
نحن روحان حللنا بدنا
فإذا أبصرتني أبصرته
وإذا أبصرته أبصرتنا
ومن هذا يبين أن الغزالي لم يكن ملاحظا مذهب الصوفية المنطوي على حقيقته، ولا متنبها إلى أنه متأثر بوحدة الوجود، بل كان معتقدا أن هذا المزج الذي كان الصوفية يحاولونه بين ذواتهم وذات الباري ناشئ من شدة الحب لا من فكرة وحدة الوجود، اللهم إلا أن يكون أبو حامد قد قصد أن يصرف الفقهاء عن اتهامهم المتصوفين بالقول بوحدة الوجود، وإن كان يعلم أنهم يقولون بها، وهذا ما نستبعده عليه.
أوصل بعض المستشرقين طبقات الصوفية إلى عشرين طبقة، وذكر أسماء أفراد كل طبقة ومؤلفاتهم، ولما كان ما يعنينا في هذا الفصل هو الطبقة الأولى التي عاشت في العصر الأول وهو يبتدئ بنشأة التصوف عند العرب، وينتهي بانتهاء القرن الرابع الهجري، وعدد أفراد هذه الطبقة هم أحد عشر صوفيا، وأشهرهم حسب الترتيب الزمني الأشخاص الآتية أسماؤهم: (1)
أبو هاشم، ولا يعرف التاريخ عنه أكثر من أنه كان أول من سمي باسم المتصوف، وأنه بنى في سوريا ملجأ للصوفية، ولكنه ليس له في حركة التصوف العلمية شأن كبير، وأنه توفي حوالي سنة 150 للهجرة. (2)
سفيان الثوري، وهو من الفقهاء والمحدثين، بل إنه قد حاول أن ينشئ مذهبا في الفقه، وكان معاصرا لأبي هاشم، وكان يباشر التصوف العملي بين جماعة من رفاقه، منهم السيدة رابعة العدوية التي توفيت بالبصرة سنة 135ه، وقد توفي سفيان في سنة 161ه. (3)
شيبة الراعي الدمشقي، الذي هجر العالم وتنسك في جبل لبنان، وقد نسب إليه معاصروه بعض الكرامات، كأن زعموا أن المطر كان يهطل إذا أراد أن يتوضأ، وأن أسدا جاءه يوما وركع أمامه فقبض على أذنه ثم أرسله بعد أن ألقى عليه خطبة في الوعظ، وقد توفي هذا الصوفي في سنة 151ه. (4)
ذو النون المصري، ولد في أخميم، وقد اتهم في حياته بالزندقة، وبلغ أمره إلى الخليفة المتوكل فاستحضره إلى بغداد وأدخله السجن، ولكنه لم يلبث أن تبين حقيقته وأعجبه صبره على المكاره وخلبه بفصاحته، فعفا عنه ومنحه حريته ورده معززا إلى مصر، فعاد إلى حياته الصوفية الأولى، وكان له على مواطنيه أثر كبير، وأخيرا توفي في الجيزة سنة 245ه، وله مؤلفات كثيرة، منها: (أ) «المجربات»، ويحتوي على إرشادات طبية وتجارب كيميائية وتمائم سحرية وطلاسم وعزائم، ويوجد في مكتبة باريس. (ب) أشعار في حجر الحكماء، ويوجد في مكتبة باريس. (ج) مناظرة بينه وبين تلميذه يعقوب في حجر الحكماء، ويوجد في مكتبة برلين. (5)
صفحه نامشخص