تصوف اسلامی و امام شعرانی
التصوف الإسلامي والإمام الشعراني
ژانرها
إن عماد الدين اللدني وضابطه وحاكمه لدى المتصوفة هو كتاب الله وهدي رسوله، فكل من انحرف بقوله أو بعمله فقد برئ منه التصوف، بل هو أصلا ليس من أهله.
ومن شاء أن يعرف الصوفي الصادق من غيره؛ فليحاكمه إلى هذا المبدأ الذي هتف به سادته الكمل وأئمته القادة، وحينئذ يتميز الخبيث من الطيب، ويبين الزائف من الصادق.
هذا هو الميزان الذي عناه الشعراني بقوله: «إن طريق القوم محررة على الكتاب والسنة كتحرير الذهب.» أو كما يقول محيي الدين: «من رمى من يده ميزان الشرع لحظة واحدة هلك.»
ولقد كان شيخ الإسلام العز بن عبد السلام إذا سمع حديث أبي الحسن الشاذلي صاح: «هلموا إلى هذا الكلام القريب العهد من الله.»
وذهب أبو العباس بن سريج، إمام الفقهاء، إلى حلقة الجنيد ليناقشه ويجادله، فاستمع إليه صامتا ثم خرج إلى أصحابه قائلا: «لا أدري ما يقول، ولكن لكلامه صولة ليست بصولة مبطل.»
أجل إن للتصوف صولة هي صولة الحق، وإن على الكلم الصوفي لطلاوة هي طلاوة الألحان القريبة العهد من الله؛ لأنها من إلهامه، ومن ينابيع رضاه.
التصوف المفترى عليه
فإذا انتهينا من توضيح العلم الباطني الصوفي، وأنه فهم يعطى لذوي البصائر في كتاب الله وسنة رسوله، وأنه مقيد بالكتاب والسنة لا ينحرف ولا يميل عنهما، وأن رسالة المتصوفة أنهم فوق تعبدهم مجتهدون في أمراض القلب وأدويتها، وآداب العبودية وواجباتها، وخفايا النفس وإلهاماتها، ورقائق المحبة وأسرارها، وأن اجتهادهم في هذه المثاليات كاجتهاد الفقهاء في الفروع والسنن والواجبات التي لم يرد فيها نص صريح قاطع، وكما حفظ أئمة الفقه حدود الشريعة الإسلامية بإقامة أحكامها ووضع دستورها، كذلك حفظ المتصوفة للشريعة آدابها وروحانيتها، وطهارتها الخلقية، وكمالاتها النفسية.
إذ انتهينا من هذه الخطوة التمهيدية في سبيل تجلية التصوف وتنقيته مما دس عليه، وأدخل على محرابه، كان لا بد لنا قبل الحديث عن كبرى المسائل التي ألصقت به ونسبت إليه رغم طهارته، وبراءته منها، أن نتحدث قليلا عن الافتراء والدس، بل عن المؤامرات التي دبرت لتشويه التاريخ الإسلامي كافة، والعقائد التعبدية منه خاصة، وتاريخ الإسلام كعقيدة وفكرة، وتاريخ الإسلام كنظام عالمي، كل هذا لم يكتب إلى يومنا كتابة عادلة منصفة، كتابة تجلوه بخصائصه وفضائله الكبرى.
لقد شوه المؤرخون، بل شوه المتآمرون التاريخ الإسلامي عن عمد، بما دسوا عليه وبما نسبوا إلى كبار شخصياته من عقائد وكلمات وأفعال، كبار شخصياته سواء منهم أئمة الفكر، أو رجال الفقه، أو قادة الحرب، أو رجال التصوف، بل إن الخلفاء الراشدين أنفسهم لم يسلم تاريخهم من التزييف والدس، بل لقد دس في تفسير القرآن ودس في أحاديث الرسول ما يبرأ منه القرآن وما يبرأ منه الرسول ، ولولا أن الله - جلت قدرته وتعالت حكمته - حفظ كتابه الكريم؛ لما تورع المفترون عن الدس والتزييف.
صفحه نامشخص