تصوف اسلامی و امام شعرانی
التصوف الإسلامي والإمام الشعراني
ژانرها
والتصوف هو أكمل صور العبادات في خير أمة أخرجت للناس؛ لأنه تطوع دائم للعبادة، تطوع بعد الفرائض والنوافل؛ ولهذا لم يكن شرعة عامة، بل كان ميزة خاصة لمن أخذ الكتاب بقوة، واصطفاه الله، وأتاه عزما ، وعلمه من لدنه علما.
وإذن فلن نغالي إذا قلنا إن قمة المعارف اللدنية التي بلغتها الأجنحة الصوفية الإسلامية لم تبلغها، بل لم تدن منها أجنحة أخرى؛ لأنها قمة المحبة الربانية، وهي قمة لا تصل إليها إلا الأجنحة المحمدية المؤمنة العابدة.
الطريق الرباني والمعارف الإلهية
الكشف الباطني والفيض الرباني هما عنوان التصوف الإسلامي، وهما المحور الذي تدور حوله المعارف الصوفية، كما تدور حوله الخصومات بينهم وبين رجال الفكر من أصحاب المذاهب النظرية والعقلية، وبينهم وبين رجال العلم الظاهري من الفقهاء الذين قدسوا القواعد التي ابتكروها للمعرفة، وتنادوا بأنها دون سواها الحكمة وفصل الخطاب.
وأنا أجرؤ فأقول: إنه لا الكشف الباطني ولا الفيض الرباني هدفا من أهداف المتصوفة الإسلاميين، ولا غرضا من أغراض العباد الربانيين.
إنما هدفهم الأول عبادة الله عبادة خالصة له دون سواه، عبادة تقربهم منه وتدنيهم من رضاه، وقد تفننوا في هذه العبادة وجعلوها شرعة ومنهاجا، وكونوا من فلسفتها آدابا وأخلاقا، وسبحوا في بحارها سبحا طويلا، فكانت قوتهم، وكانت حياتهم، ومن تلك العبادة كان ذوقهم وكان لحنهم.
والمتصوفة حقا هم العاملون لا المتكلمون، هم الذين تطوعوا لله فوق الفرائض والنوافل، وترقوا في هذا التطوع حتى تكونت لديهم حساسية إيمانية، أو طاقة تعبدية، تكاد تدخل في نطاق المعجزة، حتى إنهم ليراقبوا الله مع أنفاسهم، فكل نفس يخرج من صدورهم فهو لذكر الله، أو استغفار، أو تضرع، أو نجوى.
وتلك العبادة الدائمة الخالصة أدنتهم من الله وقربتهم، فأحبهم وأحبوه، وأنس بهم وأنسوا به، ورضي عنهم ورضوا عنه، فغمرتهم أنوار المحبة، وفاضت حياتهم بالنور والسعادة والأنس والقرب، فتكونت لهم فلسفة في المحبة جعلوها شرعة ونهجا، وأنشودة ولحنا، ومن تلك المحبة كان ذوقهم وكان لونهم، ومنها تفرعت مقاماتهم وأحوالهم، وعليها كان تحليقهم وكانت معارجهم.
ثم أفاض الله عليهم المعارف اللدنية جزاء وفاقا، ومنحهم الكشف الباطني هبة وعطاء، ورزقهم فوق هذا رزقا أضمروه، فكان السر الذي ضنوا به حينا، ورمزوا إليه أحيانا، وسر هذا السر يلتمس عند الأثر المشهور: «عبدي، أطعني تكن ربانيا تقل للشيء: كن فيكون .»
ذلك فصل الخطاب في التصوف؛ فالكشف الباطني والعلم اللدني والخوارق والكرامات لم تكن هدفا ولا غرضا ولا أملا لدى المتصوفة، وإنما كانت هبة ومنحة وعطاء ربانيا.
صفحه نامشخص