تصوف اسلامی و امام شعرانی
التصوف الإسلامي والإمام الشعراني
ژانرها
ودارت أقلامهم في هذا المجال، وتشعبت بهم السبل حتى أسلمتهم إلى نظريات وصور قد تنتسب إلى كل نحلة عرفها العقل الإنساني ما عدا النهج الرباني الإسلامي.
وأغفلوا تماما جوهر الإسلام وروحه، وهما أبعد ما يكونان عن هذه الألوان والصور، ولم ينظروا إلى منابته المحمدية، وعقيدته القرآنية، وأخلاقه المثالية، وتعبداته السامية، وتراثه في المعرفة، وهو أصدق صور الإيمان المحمدي، وأعلى ذرى الهدى القرآني.
فهي إذن محاولة جريئة وشاقة تلك التي نحاولها؛ إذ نحاول تنقية التصوف مما دس عليه وألحق به، وتمزيق الحجب التي توارت خلفها أنواره، واختفى في طياتها بريقه وسناؤه، حتى نجلوه ربانيا إسلاميا خالصا كما عرفه الأولون الذين عاشوا في محاريبه ومعابده وأنواره ومعارجه.
ولقد شهد التاريخ محاولات سابقة في سبيل هذه الرسالة العليا؛ فلقد قام حجة الإسلام الغزالي في القرن الخامس الهجري بحركته الإصلاحية الكبرى في سبيل تجديد التصوف، وتنقيته من الألوان الفلسفية التي دسها عليه خصوم الإسلام من أصحاب المذاهب الباطنية، ومن الدجل الشعبي الذي أدخله عليه جهلة العوام وبعض طوائف المتحررين من الأخلاق، كما قام بهذه الرسالة العظمى بقوة ونجاح القطب الشعراني في القرن العاشر الهجري.
ونحن اليوم في حاجة ملحة إلى تصفية جديدة، وتنقية جديدة، وحركة تجديدية أخرى، نحن في حاجة إلى جهود متوافرة لدراسة التصوف وتنقيته من الشوائب، ومما زور التاريخ، ومما أدخل الرواة، ومما دس عليه، ونسب إليه، وحف بروحه، وتعلق بأرديته، حتى نرده إلى فطرته الأولى، فنرده إلى القلوب إيمانا، وإلى الأخلاق طهارة، وإلى المثالية عنوانا ورمزا، بل إلى الإنسانية بأسرها سلاما وسعادة وأمنا.
وإني لكبير الأمل في أن تكون الدراسات التي نقدمها هنا، بداية موفقة لتلك الحركة المباركة، أو على الأقل منظارا يرشد إلى طريقها، ويهدي إلى سبلها.
التصوف الإسلامي والمعارف العالمية
والتصوف الإسلامي هو أعلى قمة حامت حولها المحاولات العالمية للكمال الروحي، والمعارف اللدنية، حامت حولها الجهود العالمية، ولا أقول بلغتها؛ لأن سبل الكمال الروحي قد تعددت بتعدد الفلسفات، وتعدد الوسائل والغايات؛ فقد حاول قوم أن يقبسوا من نور هذا الكمال بالتصفية والتخلية؛ كرجال الفلسفة الإشراقية، وحاول قوم أن ينالوه بالنسك والطهارة؛ كزهاد اليوجا الهندية، وحاول آخرون أن يبلغوه بالاستغراق والتأمل؛ كأصحاب المذاهب النظرية والفلسفية.
وعدة هؤلاء وهؤلاء لبلوغ هذا الكمال جهد بشري، وسبل ابتدعوها، ومذاهب اعتنقوها وعاشوا لها، وهي وإن وصلت بهم إلى ألوان من هذا الكمال إلا أنها ألوان مستعارة لا أصيلة؛ لأنها منحرفة الغاية وإن استقامت الوسيلة.
وقد ترقى أرواح هؤلاء وهؤلاء حتى تأتي بما يشبه الإلهام، وبما يشبه الخوارق والكرامات، إلا أنها قد تضل وتشقى؛ لأنها اقتبست هداها من داخلها، ولم تقتبس هداها من خالقها وموجدها.
صفحه نامشخص