تصوف اسلامی و امام شعرانی
التصوف الإسلامي والإمام الشعراني
ژانرها
إلى الملأ الأعلى
حدثنا الشعراني عن سلوكه إلى الله على يد شيخه الخواص، وكيف أجلسه الخواص في محاريب الطهارة والتعبد، وأخذ عليه العهد ولقنه الذكر، وأعطاه الورد، وأخلاه عما سوى الله، وأنبأه بأن الفتح الإلهي والهبات الربانية اللدنية ستكون بدايتها في مكان معلوم مقدر بروضة المقياس على شاطئ النيل.
ثم حدثنا عن أحاسيسه القلبية في أيام ترقبه وانتظاره، وكيف تسللت العلوم الوهبية إلى قلبه فكتب منها ما شاء الله أن يكتب، ثم عرضها على شيخه فأنبأه بأنها لا تخلو من علوم ظاهرية ، وطلب إليه محوها وانتظار علوم أكثر صفاء وثباتا.
وتكرر الأمر بينه وبين شيخه حتى جاء الفتح الإلهي، وكانت بدايته أن ألهم علم آداب العبودية في يوم الاثنين، السابع عشر من شهر رجب، سنة إحدى وثلاثين وتسعمائة للهجرة.
فلما عرض ما وهبه الله له في هذا اليوم على شيخه قال له: «تم أمرك، وعلا شأنك، وروي قلبك، فابق على ما تكتب.» فسجل الشعراني فتوحاته الأولى في كتابه «الأنوار القدسية في بيان آداب العبودية».
وتوالت المنح والفتوحات على الشعراني، فقد تم أمره، وعلا قدره، وروي قلبه، وآن له أن يهب الفكر الإسلامي شيئا مما منحه الله، فانطلق ينثر علومه في مجالسه العلمية، ويجعل من زاويته منارة عالمية، ومحفلا من محافل العلم الكبرى، ومنهلا عذبا سلسبيلا للأمة المحمدية.
ثم أقبل الشعراني على التحرير والتأليف في شتى فروع المعرفة، حتى وهب المكتبة الإسلامية أكثر من مائة كتاب في التصوف والفقه والأصول والتفسير والحديث والنحو والطب والكيمياء والأخلاق، وغيرها من ألوان العلوم والمعارف. وقد استغرق بعضها خمسة مجلدات، ووقع الكثير منها في مجلدين، وأكثر هذه المؤلفات لا يزال محفوظا وموزعا على دور الكتب في أرجاء العالم.
ولقد أحصى المستشرق «بروكلمان» أكثر من ستين كتابا مخطوطا متناثرة في دور العلم العالمية، ويذكر لنا علي مبارك باشا بأن الكتب التي رآها للشعراني أكثر من سبعين كتابا.
وبلغ الشعراني في عصره مكانة علمية حسبنا في الدلالة عليها أن أحد شانئيه كتب سؤالا عن فقرات وردت في كتاب «العهود المحمدية» للشعراني، وقدمه إلى شيخ الإسلام الفتوحي الحنبلي، فامتنع الشيخ الفتوحي عن التعليق عليه قائلا: «إن الشعراني قد أحاط من العلم بما لم نحط به، وقد قرأ من الكتب ما لا يعرف له اسما، وأنه لو ادعى تأليفها ما وجد في مصر منازعا.» تلك لمحة عن مكانة الشعراني الذي قال له شيخه الأكبر علي الخواص: «تم أمرك، وعلا شأنك، وروي قلبك.»
وكان من تمام الأمر للشعراني أو من تمام المقابلة في حياته أن مكانته العلمية مشت جنبا إلى جنب مع مكانته الدنيوية.
صفحه نامشخص