تصوف: انقلاب روحانی در اسلام
التصوف: الثورة الروحية في الإسلام
ژانرها
1
فالزنار الذي عمل أبو يزيد على قطعه من قلبه هو صلته بهذا العالم، والعمل على قطعه هو المجاهدة، ورؤيته الناس موتى بعد أن كشف له، معناه تخلصه التام من الشواغل التي تربطه بالخلق.
المجاهدة هي الجانب العملي في الحياة الصوفية، أو هي الجانب الديني والأخلاقي فيها، والتصوف في جوهره نظام ديني أخلاقي يأخذ به السالك نفسه في صراحة وعزم وتصميم، ولا يقوى عليه إلا أولو العزم والتصميم؛ لأنه موجه ضد النفس ورغباتها والعالم ومباهجه. هو نظام محوره التضحية بالذات، وإيثار كل ما لله على كل ما للنفس، ومن هنا كان النظام الأخلاقي الصوفي نظاما فريدا في بابه، مختلفا عن غيره من النظم الأخلاقية الأخرى؛ لأنه قائم على معاملة الله وحده، تلك المعاملة التي يوحي بها مبدأ التضحية.
وليس في التصوف الإسلامي من أساليب المجاهدة البدنية والنفسية ما في الرهبنة المسيحية من انقطاع تام عن العالم، وتعذيب للبدن بصنوف شتى من الإيلام والحرمان، وإن تواترت الأخبار عن أقلية من زهاد المسلمين الأوائل سلكوا مسلك الرهبان المسيحيين في أساليبهم كما أشرنا إلى ذلك، وهؤلاء أقلية لا يقاس عليهم. بل الحقيقة أن المجاهدة الصوفية في الإسلام مجاهدة نفسية أكثر منها بدنية، أو هي نفسية أولا وبدنية ثانيا، والبدني منها، كالصوم وحرمان النفس من بعض مشتهياتها، وقيام الليل في التهجد والعبادة، وما شاكل كل ذلك لا مبالغة فيه ولا إسراف، بل هو في الحدود المقبولة التي وضعه الإسلام وطالب بها.
والمجاهدة والجهاد في الأصل: بذل الوسع في سبيل الله ومحاربة أعدائه. ثم استعملت المجاهدة في التصوف بمعنى محاربة النفس ومخالفتها باعتبارها العدو الأول الذي يقود الإنسان إلى الهلاك وقد يقصيه عن دينه. يقول أبو عمرو بن نجيد الملامتي: «من كرمت عليه نفسه هان عليه دينه.»
2
ولهذا حرص الصوفية، وهم يتكلمون عن المجاهدة، على أن يتكلموا عن «النفس» ويفسروا المقصود بها. فليست «النفس» عندهم اسما مرادفا للإنسان في جملته ولا روحه، ولا مجموع الحياة الروحية فيه، وإنما المقصود بها النفس الحيوانية التي هي مركز الشهوة والهوى ومنبع الشر والإثم.
وشرور النفس نوعان: (أ) المعاصي. (ب) الأخلاق والصفات المذمومة كالعجب والحسد والغضب والكبر والأثرة والكراهية والرياء وغير ذلك من الأخلاق التي لا يقبلها العقل ولا الشرع. فإذا لم يعرف الإنسان نفسه على حقيقتها فيعرف أغوارها وغوائلها، ويقف على أدوائها وآفاتها، ذهبت مجاهدته ورياضته سدى؛ ولذلك كان من أوائل ما انتدب الصوفية أنفسهم له، التأمل والنظر في النفس ومحاسبتها ومراقبتها وغير ذلك من الأساليب التي تكشف عن مكنوناتها ودوافعها وعيوبها.
هذه هي الخطوة الأولى في طريق المجاهدة، ومن حالفه التوفيق فيها أمن السير في الطريق، وبنى حياته الصوفية على أساس متين. يقول رسول الله
صلى الله عليه وسلم : «من أراد الله به خيرا بصره بعيوب نفسه.»
صفحه نامشخص