ترجمه در جهان عربی: واقعیت و چالش: در پرتو مقایسه آماری روشن
الترجمة في العالم العربي: الواقع والتحدي: في ضوء مقارنة إحصائية واضحة الدلالة
ژانرها
ومهمة التعريب لا تنتهي عند صياغة مصطلح برسم عربي ظنا منا أن المصطلح العلمي ثابت الدلالة يكفي تعريبه مرة وإلى الأبد؛ فهذا غير صحيح؛ إذ إن المصطلح - من حيث هو ظاهرة علمية - له حياة ومسار. وتجارب الأمم شواهد صدق على ما ذهبنا إليه، من ذلك تجارب اليابان والصين وإسرائيل. مثال: إسرائيل واللغة العبرية؛ فقد كانت اللغة العبرية في عداد اللغات الميتة، ولكن مع نشأة إسرائيل بدا الاهتمام بإحياء اللغة العبرية لتكون أداة تواصل بين شتات المهاجرين الذين وفدوا من بلدان متعددة الألسن. ومع النشاط العلمي الاجتماعي سرعان ما أصبحت لغة حية متطورة ومعبرة عن مختلف دقائق العلوم. ولو كان المجتمع الإسرائيلي قنع بالأدب والشعر مظهرا للنهوض الحضاري، لجاء إحياء العبرية في صورة لغة أدب وشعر من دون العلوم.
إن إحياء اللغة في مجتمع عازم على استيعاب مختلف العلوم وممارستها والإفادة بها، والمساهمة في النشاط العلمي الإبداعي، جعل اللغة العبرية أداة متقدمة اغتنت بالمصطلحات العلمية الجديدة، وقادرة على التعبير السهل والدقيق عن مختلف القضايا العلمية، وحدث هذا استجابة لحاجة ملحة لمجتمع نشط علميا، وليس مجرد مجتمع يتلقى الوافد الجديد حسبما يأتي له.
لم يكن جوهر المشكلة هو ترجمة المصطلح، بل تهيئة وظيفة اجتماعية للمصطلح، من خلال نشاط اجتماعي أصيل وفعال؛ فاللغة هي أكثر وسائل التفكير الإنساني دقة ومرونة، ومن ثم لا تبقى ساكنة إلا بسكون مجتمعها، ومتطورة أبدا بتطوره. وهي في نشأتها وارتقائها إنما تواكب التغيرات التي تطرأ على بنية الحياة الاجتماعية والثقافية، وتعكس واقع الفعالية النشطة أو ركود المجتمع.
وإذا كانت اللغة نتاج مجتمع، فإنها أيضا وجود هذا المجتمع أو صورته، ولا تستطيع كلمة أن تكتسب أهلية العضوية في نسيج اللغة وشهادة بقاء وحياة، ما لم يكن لها رصيد في النشاط العملي العلمي الذي يضفي عليها مشروعية الوجود.
جوهر القضية ليس كلمة عربية بديلة، بل فعل عربي بديل تجري معه اللغة لسانا عربيا.
أزمة الترجمة العلمية وتعريب المصطلح
أزمة الترجمة العلمية انعكاس لأزمة المجتمع، كذلك أزمة تعريب المصطلح العلمي تعبير عن هذه الأزمة المضاعفة. المصطلح لغة، واللغة فكر، والفكر وجه تعبيري للفعل الاجتماعي النشط؛ إذ لا فكر في المجرد؛ أعني لا فكر بدون فعل اجتماعي. والفكر في عصرنا الراهن فكر علمي؛ لأنه وليد فعل اجتماعي علمي تجسده البحوث العلمية النظرية والعملية بقواعدها المنهجية؛ ولهذا نجد المصطلح العلمي يعود في نسبه نشأة وتكوينا إلى مركز أو موطن النشاط العلمي الاجتماعي، وحيث توجد مراكز البحث العلمي المعرفي التي تبدع اللغة أو المصطلح، تعبيرا عن نشاطها الاجتماعي، وتكون هي موطن تصدير المعرفة والفكر والمصطلح. وتظهر هنا مشكلة الانفتاح. التلقي والترجمة والقدرة على الاستيعاب والمواكبة، شريطة أن يعرف المجتمع طريقه ومفاتيح النهوض، ومن ثم تكون له معايير الاختيار. وقد تكون المشكلة أزمة تحول دون ذلك كله، وتكرس التخلف إذا ما سد المجتمع السبيل وآثر الانزواء والانغلاق، وقنع بمظاهر المحاكاة للاستهلاك، وعجز أو عزف عن بذل نشاط مجانس حضاريا يؤهل المجتمع وفق قضاياه ومشكلاته وخصوصيته لمواكبة الفكر، وابتداع المصطلح الذي يفضي إلى تطوير اللغة من خلال تطوير الفعل الاجتماعي الذي يجسده مشروع قومي.
وفي ضوء واقع حال الترجمة العربية وتناقضاته مع مقتضيات العصر تتكشف أسباب ندرة وقصور الترجمة العلمية وأزمة تعريب المصطلح. وغني عن البيان أن لا تقدم لأمة الآن بدون استيعاب العلوم الأساسية وتوظيف أسس العلم؛ نظريات، ومنهج تفكير، وتطبيقات عملية، باعتبار العلم قوة حركة وهيمنة للبلدان المتقدمة. لقد تعثرت خطواتنا في سبيل ترجمة أمهات الكتب ودوائر المعارف التي تسهم - علاوة على نشاطنا الإبداعي الذاتي - في صوغ نظام معرفي عصري؛ أي علمي.
والترجمة العلمية لا تأتي اعتسافا، ولا تخضع لاختيارات فردية أو عشوائية، وإنما رهن توفر رؤية استراتيجية تنموية شاملة، وإيمان بدور الإنسان العام صاحب المصلحة أن يعايش مناخا عاما وتنشئة اجتماعية وتعليمية، يتأهل بفضلهما للانتماء إلى المعرفة العلمية والتفكير العلمي، ويرى فيهما أداءه لصنع المصير. هذا علاوة على تأسيس حقه اجتماعيا في حرية التماس المعرفة ونهمه في تحصيلها من منطلق عشق المغامرة والاستكشاف، وإيمانه بقيمة المعرفة الإنسانية في تنوعها وتعدد مصادرها وحق تحصيلها وفق منهج بحث محدد القواعد، باعتبار أنها الأقدر على صنع الحياة، وأنها ركيزة البناء الاجتماعي والسلوك الفردي، ودعامة الرفاهية وحل مشكلات الحياة.
واستطرادا لهذا نقول: إن التنمية الحقيقية بكل صورها، بما في ذلك الثقافة والفكر؛ أي بناء الإنسان، رهن العلم. والتنمية تعامل اجتماعي نشط مع الطبيعة والإنسان. وهل يكون ذلك بغير العلم؟ وإذا كان الإنسان العام دعامة البناء الجديد، فهل يكون ذلك بدون تعليم علمي ومعارف علمية ليكون أهلا للفعل الإبداعي العلمي؟ والعلم بلا وطن، فهل نعيد بناء أنفسنا ونؤكد ذاتنا في عزلة عن الآخر دون وعي نقدي وصناعة علمية تشمل الجميع؟
صفحه نامشخص