وقد ذكرت الفتاة جمال السماء والبحر والجبال، بل جمال الوجه البشري أيضا، وهي توبخنا وتبكتنا بهذا القول؛ لأن هذا الجمال يغمر الدنيا مشاع بالمجان لنا جميعا، ولكننا نعمى عنه، ونفكر في هموم ترهقنا وتحزننا بل تستعبدنا.
كان داروين العظيم يقول: «إني ما زلت أذكر تلك اللحظة التي تأملت فيها العين البشرية، فقد اعترتني رعدة لا أنساها.».
أجل، هذه العدسة الصغيرة التي تنقل إلى رءوسنا آلاف العوالم المشتتة في هذا الكون، ونرسم في خلاياها صور السحب والطيور والأشجار والزهور، وصور الأطفال في مرحهم والنساء في روعتهن، هذه العين البشرية هي أعجب ما في هذا الكون، وليست الشمس بكل ما فيها من جلال وعظمة سوى شيء غشيم خام بالمقارنة إليها.
هذه العين البشرية هي معجزة هذا العالم، بل هذا الكون كله، وذلك الشاب الذي يهمل الاستمتاع بها، ولا يتأمل الجمال في الطبيعة أو البشر، لن يجد ما يعيضه عنها ولو جمع مال قارون.
لا، بل هو حين يجمع مال قارون، سترتسم على وجهه أمارات الحزن التي رأتها هذه العمياء عندما أبصرت، بدلا من إشراق الفرح الذي كان يجب أن يعم وجوهنا جميعا في طرب الحياة ومرح الصحة؛ لأن مال قارون سيحمله من الهموم والشكوك والمخاوف ما يجعل الحزن أصيلا في قلبه منعكسا على وجهه.
الفصل السادس والسبعون
في الرابعة والتسعين
بعد أسابيع يدخل برنارد شو في الرابعة والتسعين من عمره، وليست العبرة مع ذلك في بلوغه هذه السن، ولكنها في محافظته على صحة عقله وسلامة جسمه، فإن هناك كثيرين بلغوا هذه السن ولكنهم التزموا السرير واستقالوا من الحياة، أو هم يعانون الحياة أكثر مما يستمتعون بها.
ولكن برنارد شو لا يزال نشيطا يؤلف ويوجه ويعلم، وقد علم أربعة أجيال، وهو يؤمل أن يعلم الجيل الخامس، وهو يقول كما يقول كثير من العلماء هذه الأيام: إن الموت ليس طبيعيا.
وقد اتخذ برنارد شو أسلوبا في العيش يجدر بنا جميعا أن نعرفه وإن لم نمارسه، فهو قد انقطع عن اللحوم منذ 65 سنة، وهو يأكل الخبز الأسمر، وينام مع ترك النافذة مفتوحة حتى في الشتاء، وهو شتاء إنجلترا القطبي، وهو لا يدخن ولا يشرب الخمور، كما أنه يفكر هذه الأيام في أن يصوم يوما كاملا كل أسبوع.
صفحه نامشخص