ومن الكلمات الذهبية التي تؤثر عن أدلر أيضا قوله: «الشجاعة هي صحة النفس.».
ذلك أن جميع الأمراض النفسية تقريبا تعود إلى الخوف هذا الخوف الذي ليس له ما يبرره من العوامل الخارجية، وإنما هو حال نفسية تعسة تجعل صاحبها يخاف كل شيء، فهو ينبع من الداخل، لتزعزع نفسي أو لتربية سيئة وليس لعرض من الخارج، والبرهان على ذلك أن الحادث الفادح قد يقع باثنين فيتصدى له أحدهما ويستكين الآخر فيفشل، كما رأينا في المثال الذي ذكره أدلر.
الفصل الحادي والستون
يجب أن نحترم كل عمل مفيد
حدث عندما كان هتلر في أوج جنونه وذروة فحشه، أن دخل الألمان مدينة فينا عاصمة النمسا، ثم عمدوا إلى خصومهم وصاروا يبتكرون الأساليب لاحتقارهم وإذلالهم، وكان ممن ألقوا القبض عليهم قائد يكره النازية قد سبق له أن قاتل في الجيش الالماني نفسه في الحرب الكبرى الأولى، فسلموه مكنسة وطلبوا منه أن يكنس الشوارع.
وأراد هذا القائد أن يخجل هؤلاء الجنود، فعمد إلى شكته؛ أي: سترته الرسمية، فلبسها وتناول المكنسة وصار يكنس، وخجل الألمان من هذا المنظر؛ لأن هذه الشكة كانت ألمانية تحمل السيف والأوسمة، فعفوا عنه.
وقد أذكرني هذا الحادث حادثا آخر، ذلك أنه في السنة المشئومة 1882 حين انهزم العرابيون، صار خصومهم يبحثون عمن أيدوهم أو عاونوهم على الثورة، ثم كانوا يجعلونهم يكنسون الشوارع، وكان من هؤلاء المؤيدين للثورة رجل رأيته في شيخوخته هو أمين الشمسي (باشا) في الزقازيق، وكان جميل الوجه تزينه لحية بيضاء، وكنت في صباي أهرع إليه كي أقبل يده.
وقد حمل أمين الشمسي (بك وقتئذ) المكنسة وكنس الشوارع في الزقازيق، وإني أوقن بأنه حين كان يكنس كان يجد الاحترام والإكبار من أولئك الذين رأوه في هذه الحال، وأمين الشمسي هذا هو والد علي الشمسي (باشا).
وقد ذكرت هذين الحادثين كي أنبه القارئ إلى تلك التقاليد والرواسب الاجتماعية التي تحملنا على احتقار بعض الأعمال، حتى إننا لنعاقب من نكرههم بممارستها، مع أننا نعرف أن هذه الأعمال ضرورية لنا، وإذا كان هناك مجال أو هدف للاحتقار، فيجب أن يكون في أولئك الذين يحدثون القذر والشعث في الشوارع، وليس في أولئك الذين يجملونها بالنظافة والترتيب.
وجميع الصناعات يجب أن تحترم، ما دامت تخدم المجتمع، ولذلك يجب أن نحترم الكناس، وأن نحتقر أولئك السفهاء الذين ظنوا في كنس الشوارع هوانا وحاولوا إهانة خصومهم بممارسته.
صفحه نامشخص