وهذه نصيحة يجب أن تقال وتكرر لجميع الشبان في كل وقت؛ لأن هناك من الخفايا في سير العظماء ما يدهش الشاب العادي الذي يطلب الطمأنينة والراحة، ويقصر حياته على نشاط تكراري ليس فيه استقلال أو ابتكار، ففي سيرة كل عظيم تقريبا تجد ألوانا من التضحية والنشاط ووحدة الهدف، ومقاطعة الملذات الرخيصة، فهذا عظيم نعرف من سيرته أنه كان يستيقظ في الساعة الرابعة من الصباح، وهذا آخر نعرف أنه لم يدخن قط، وهذا ثالث، مثل سعد زغلول، نعرف أنه شرع يتعلم لغة أجنبية وهو في الثانية والستين من عمره ... إلخ.
ومثل هذه الدراسة جديرة بأن تشكك الشاب في القيم والأوزان التي يؤخذ بها، وجديرة بأن تلهمه حتى يتغير، فيهدف إلى العظمة، فيتغير في أسلوب حياته، ويهدف إلى هدف جديد.
وقد رأيت في الأسبوع الماضي عظيما، وهأنذا أبوح ببعض الخفايا عنه لعل في ذلك ما يلهم ويوجه، فهو الآن في الخامسة والخمسين, وقد وصل إلى قمة المجتمع مالا ووجاهة وكفاءة، ولكنه وجد هذا العام نقصا في بعض معارفه، فسارع إلى استخدام معلم يدرسه، ورأيت كرامته وكناشته كأنه قد عاد تلميذا يستعد للامتحان، وتأملته مليا، وعرضت حياته الماضية منذ كان موظفا صغيرا لا يزيد مرتبه على عشرة جنيهات في الشهر إلى أن أصبح دخله السنوي يقدر بالألوف من الجنيهات، وتساءلت: ما الذي رفعه إلى هذه القمة؟
تساءلت وفكرت، ثم قلت: هي عادة تعودها منذ كان شابا «عادة الارتقاء».
ذلك أنه اتخذ أسلوبا في حياته هو أن يرتقي، فالارتقاء عنده عادة وعاطفة يمارسها في غير وجدان؛ أي: من حيث لا يدري، فهو يرتقي اجتماعيا وماليا وصحيا وثقافيا، وقد أشرت إلى أنه يثقف ذهنه على يد معلم، ويجب أن أشير أيضا إلى أنه يثقف جسمه بتمارين رياضية قاسية.
والارتقاء يمكن أن يكون عادة يتعودها الشاب، وهو إذا فعل فإنه لن يرضى بقضاء ساعة من عمره على المقهى، ولن يرضى بأن يبلد ذهنه بقراءة السخف في المجلات الجنسية، ولن يرضى بقتل الوقت بأكل اللب أو التدخين.
يجب أن نجعل الارتقاء عادتنا وعاطفتنا، وأن نرقي أذهاننا بالدراسة كما فعل هذا الباشا العظيم باستخدامه معلما يدرسه وهو في منتصف العقد السادس من عمره، وكما فعل سعد، وهو في الثانية والستين.
وعادات الارتقاء، كالتزام القناعة في الطعام، وممارسة الألعاب الرياضية، واقتناء الكتب والدراسة، ومصادقة الشخصيات السامية التي تربأ عن الهذر والسخف، هذه العادات ليست أشق علينا من عادات الانحطاط التي يقع فيها كثير من الشبان ثم يعجزون عن الإقلاع عنها، فتؤخرهم في ميدان الحياة وتجعلهم يندمون بعد أن تكون قد فاتتهم الفرصة.
الفصل الثالث والخمسون
المباراة في الاقتناء علة الشقاء
صفحه نامشخص