راه اخوان صفا: ورودی به عرفان اسلامی
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
ژانرها
طريق النجاة المشترك والمسائل التنظيمية
إن ما يميز مذهب إخوان الصفاء عن كثير من مذاهب الخلاص هو تركيزهم على أن النجاة التي يسعون إليها لا تتحقق إلا بالجهد الجمعي المشترك، وتعاون الأفراد مع بعضهم على تحقيقها. فكما أن البشر محتاجون للتعاون في شئون دنياهم، كذلك هم محتاجون إليه في شئون آخرتهم: «اعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، بأن الإنسان الواحد لا يقدر أن يعيش وحده إلا عيشا نكدا؛ لأنه محتاج إلى طيب العيش من إحكام صنائع شتى، ولا يمكن الإنسان الواحد أن يبلغها كلها؛ لأن العمر قصير والصنائع كثيرة؛ فمن أجل هذا اجتمع في كل مدينة أو قرية أناس كثيرون لمعاونة بعضهم بعضا. وقد أوجبت الحكمة الإلهية والعناية الربانية بأن يشتغل جماعة منهم بإحكام الصنائع، وجماعة في التجارات، وجماعة بإحكام البنيان ... لأن مثلهم في ذلك كمثل إخوة من أب واحد في منزل واحد، متعاونين في أمر معيشتهم، كل منهم في وجه منها ...
واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، أنه ينبغي لك أن تتيقن بأنك لا تقدر أن تنجو وحدك مما وقعت من محنة هذه الدنيا وآفاتها بالجناية التي كانت من أبينا آدم، عليه السلام؛ لأنك محتاج في نجاتك وتخلصك من هذه الدنيا ... والصعود إلى عالم الأفلاك ... إلى معاونة إخوان لك نصحاء وأصدقاء لك فضلاء، متبصرين بأمر الدين علماء بحقائق الأمور، ليعرفوك طرائق الآخرة وكيفية الوصول إليها، والنجاة من الورطة التي وقعنا فيها كلنا بجناية أبينا آدم عليه السلام. فاعتبر بحديث الحمامة المطوقة المذكورة في كتاب كليلة ودمنة، وكيف نجت من الشبكة، لتعلم حقيقة ما قلنا» (2: 1، 99-100). «واعتبر يا أخي كيفية انصراف الحج إلى بلدانهم، فإنك ترى لأهل كل بلد قافلة وطريقا يمرون فيه متعاونين ذاهبين وراجعين؛ فهكذا وردت النفوس إلى هذا العالم في كل أمة بدلالة كوكب وبرج في قران، ولا تنصرف من الدنيا إلا بدين ومذهب، ويكون زاد كل نفس ما كسبت من خير وشر. فلا تظن يا أخي أنك تقدر على أن ترجع بنفسك وحدها.
واعلم أن الطريق بعيدة، والشياطين بالمرصاد قعود كقطاع الطريق، فاعتبر؛ فكما أنك لا تقدر على أن تعيش وحدك إلا عيشا نكدا، ولا تجد عيشا هنيا إلا بمعاونة أهل المدينة، وملازمة شريعة، فهكذا ينبغي لك أن تعتبر لتعلم بأنك محتاج إلى إخوان أصدقاء متعاونين، لتنجو بشفاعتهم من جهنم، وتصعد إلى ملكوت السماء بمعاونتهم، وتدخل الجنة بلا حساب.
واعلم يا أخي علما يقينا أنه لو كان يمكن أن تنجو نفس وحدها بمجردها لما أمر الله تعالى بالتعاون، حيث قال: ... تعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ...
1
وقال تعالى:
وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا ... »
2 (20: 2، 139). «واعلم أن هذا الجسد لهذه النفس، في المثال، بمنزلة دار تسكن، أو دابة تركب، أو آلة تستعمل؛ وما دامت هذه النفس مع هذا الجسد مربوطة به إلى الوقت المعلوم، فلا بد من النظر فيما تصلح به معيشة الدنيا، وما تنال به النجاة والفوز في الآخرة.
واعلم أن هذين الأمرين لا يجتمعان ولا يتمان إلا بالمعاونة، والمعاونة لا تكون إلا بين اثنين أو أكثر من ذلك. وليس شيء أبلغ على المعاونة من أن تجتمع قوى الأجساد المتفرقة، وتصير قوة واحدة، وتتفق تدابير النفوس المؤتلفة وتصير تدبيرا واحدا، حتى تكون كلها كأنها جسد واحد ونفس واحدة، فعند ذلك تغلب كل من رام غلبتها، وتقهر كل من خالفها وضادها. فهلم بنا يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، لنجتمع ونتعاون على ذلك» (48: 4، 169-170). «فهل لك يا أخي بأن تنظر إلى نفسك وتسعى في صلاحها وتطلب نجاتها ... وأن ترغب في صحبة أصدقاء لك نصحاء، وإخوان لك فضلاء، وادين لك كرماء، حريصين معاونين لك على صلاحك ونجاتك مع أنفسهم، قد خلعوا أنفسهم من خدمة أبناء الدنيا، وجعلوا عنايتهم وكدهم في طلب نعيم الآخرة، بأن تسلك مسلكهم وتقصد مقصدهم، وتخلص سرك معهم وتتخلق بأخلاقهم، وتسمع أقاويلهم لتعرف اعتقادهم، وتنظر في علومهم لتفهم أسرارهم وما يخبرونك به من العلوم النفسية ... إذا دخلت مدينتنا الروحانية وسرت بسيرتنا الملكية وعملت بسنتنا الزكية وتفقمت في شريعتنا العقلية، فلعلك تؤيد بروح الحياة، لتنظر إلى الملإ الأعلى وتعيش عيش السعداء» (15: 2، 23). «واعلموا أن دولة أهل الخير يبدأ أولها من أقوام خيار فضلاء يجتمعون في بلد ويتفقون على رأي واحد ودين واحد ومذهب واحد، ويعقدون بينهم عهدا وميثاقا بأنهم يتناصرون ولا يتخاذلون ويتعاونون ولا يتقاعدون عن نصرة بعضهم بعضا، ويكونون كرجل واحد في جميع أمورهم، وكنفس واحدة في جميع تدابيرهم وفيما يقصدون من نصرة الدين وطلب الآخرة» (48: 4، 187-188).
صفحه نامشخص