راه اخوان صفا: ورودی به عرفان اسلامی
طريق إخوان الصفا: المدخل إلى الغنوصية الإسلامية
ژانرها
فانتبه من نومه ذلك، ثم أخبر بما رأى، وأوصى وصيته، وما مكث إلا أياما حتى توفي ومضى لسبيله» (46: 4، 98).
في القيامة الكبرى
تدوم الجنة والنار ما دامت السماوات والأرض، على ما ورد في أكثر من آية في كتاب الله عز وجل. ولكن السماوات والأرض لا تدومان، والنفس الكلية التي فاضت قواها في الجسم الكلي زمن التكوين سوف تنسحب من هذا الجسم ويحدث بوار العالم، ويزول منه العجز والنقص، فيغدو الوجود خير كله، ويعتق أهل النار وتبطل جهنم الدنيا، وتبعث الأنفس الجزئية الإنسانية كلها: «واعلم يا أخي، أيدك الله وإيانا بروح منه، أنه إذا فاضت قوى النفس الكلية الفلكية في الجسم الكلي الذي هو جملة العالم الجسماني، ابتدأت من أعلى فلك المحيط متوجهة نحو مركز العالم، وسرت في الأفلاك والكواكب والأركان الأربعة والأوقات الزمانية أولا فأولا، حتى إذا بلغت إلى منتهى مركز العالم اجتمعت كلها هناك، ويكون ذلك سببا لكون الأجسام الجزئية الكائنة الفاسدة التي دون فلك القمر، وهي الحيوانات والنباتات والمعادن؛ لأنها إذا علت إلى أقصى مدى غاياتها الذي هو الغرض الأقصى بطول الزمان، وعطفت عند ذلك راجعة، أعني تلك القوى، نحو المحيط، فيكون سبب بعث الأنفس الجزئية الإنسانية الكلية» (29: 3، 37). «ثم اعلم أن غرضنا من ذكر حركات العالم وحركات أجزائه الكليات والجزئيات وفنون تصاريفها، هو بيان بطلان قول من يقول بقدم العالم، وذلك لأن الحركات المختلفة تدل على اختلافها، والمتحرك والمختلف الأحوال لا يكون قديما؛ لأن القديم هو الذي يكون على حالة واحدة لا يتغير ولا يستحيل ولا يحدث له حال، وذلك ليس يوجد موجود هذا شأنه إلا الله الواحد الأحد، ولا يمكن أن يوجد شيء سوى الله تعالى هذا شأنه.
ثم اعلم أن الذين قالوا بقدم العالم ظنوا بأنه ساكن، والساكن لا تختلف أحواله، وليس الأمر كما ظنوا وتوهموا من سكون العالم، كما بينا فيما تقدم بكثرة حركات كلياته وجزئياته ما لا تنكره العقول السليمة؛ فمنها حركات الكواكب، ودوران الأفلاك، واستحالات الأركان، وتكوين المولدات، مما لا خفاء به ...
اعلم أن كل حركة في متحرك فهي متحركة له، وهي سبب لشيء آخر، فمتى عدمت تلك الحركة بطل ذلك السبب. مثال ذلك حركة الرحى عن الدابة التي تديرها أو الماء، وهي سبب الطحن، فمتى وقفت الدابة وانقطع الماء، سكنت الرحى وعدم الطحن ... وهكذا متى وقفت الكواكب السبعة السيارة في البروج عن دورانها، وقفت الأمور التي تحت [فلك القمر] عالم الكون والفساد من الحيوان والنبات عن حركاتها وتكوينها. يعرف حقيقة هذا من كان حاذقا بصناعة النجوم وتكلم عليها. والمثال في ذلك كرواحة متى وقفت عن الدوران سقطت بعدما كانت قائمة منتصبة عند حركاتها. فهكذا حكم العالم، متى وقف المحيط عن الدوران وقفت الكواكب عن المسير والحركات؛ ووقفت عند ذلك مجاري الليل والنهار والشتاء والصيف، فيبطل عند ذلك الكون والفساد، ويبطل نظام العالم، وتذهب الخلائق، وتفارق النفس الكلية الجسم الكلي، وتقوم القيامة الكبرى. وذلك أن العالم هو إنسان كبير، فإذا فارقت نفس العالم الجسم الكلي فقد مات الإنسان الكبير، وقد قامت قيامته الكبرى» (39: 3، 332-333). «اعلم يا أخي أن الغرض الأقصى في إدارة الأفلاك وتسيير الكواكب ومجيء الأنبياء والرسل والحكماء، ونزول الملائكة من السماء إلى الأنبياء بالوحي والأنباء، هو أن يصير العالم خيرا كله ويزول منه العجز والنقص والشر، ويعود إلى ما بدأ منه فيصير لاحقا به، فتتم الحكمة وتكمل الخلقة، ويرتفع عالم الكون والفساد، ويعتق أهل النار، وتبطل جهنم الدنيا، ويصير العالم خيرا كله وسعادة كله، وتقوم القيامة الكبرى، ويمحق الشر وأهله، وينقرض حزبه ويتلاشى. فهذا هو الغرض الأقصى والمعرفة العظمى. فاحفظ ما ألقيناه إليك من هذا العلم المصون والسر المخزون الذي لا يمسه إلا المطهرون. فإذا صح بالبرهان الصحيح أن إدارة الأفلاك، وجريان العالم على ما هو به، إنما الغرض فيه أن يكون العالم خيرا كله ونورا كله وسعادة كله، وأن أصل الإبداع جود الباري سبحانه وفيضه، فإنه عند بلوغ النفس إلى درجة العقل، فيكون سكونها وبطلان الحركة والبلوغ إلى النهاية. وعند ذلك تكون الراحة الدائمة والطمأنينة الكاملة ... كذلك النفس إذا بلغت درجة العقل سكنت عن الحركة الطبيعية واستعمال الطبيعة، وعادت إلى استعمال ذاتها الروحانية في عبادة باريها سبحانه، حتى تقوم بما يجب عليه من الشكر له، إذ أوصلها إلى درجة الكمال. فهذا يا أخي هو معرفة حقيقة الجنة، ومعرفة القيامة بالبرهان في هذا الوجه بغير رمز ولا إشارة» (جا: 25-26).
الفصل السادس
إسلام إخوان الصفاء
تشيع إخوان الصفاء
يؤكد إخوان الصفاء أن مذهبهم يستوعب المذاهب كلها، ويجمع العلوم كلها. وهذا يعني أنهم لا ينتمون فعلا لأي مذهب إسلامي من المذاهب المعروفة، بل يشكلون فرقة إسلامية قائمة بذاتها: «وبالجملة ينبغي لإخواننا، أيدهم الله تعالى، أن لا يعادوا علما من العلوم، أو يهجروا كتابا من الكتب، ولا يتعصبوا على مذهب من المذاهب؛ لأن رأينا ومذهبنا يستغرق المذاهب كلها، ويجمع العلوم جميعها. وذلك أنه هو النظر في جميع المجودات بأسرها الحسية والعقلية، من أولها إلى آخرها، ظاهرها وباطنها، جليها وخفيها، بعين الحقيقة من حيث هي كلها من مبدأ واحد، وعلة واحدة، وعالم واحد، ونفس واحدة محيطة جواهرها المختلفة، وأجناسها المتباينة، وأنواعها المفننة، وجزئياتها المتغايرة» (45: 4، 41-42).
ولكن هنالك أمور تجمعهم إلى الشيعة على الرغم من عدم انتمائهم إلى إحدى فرقها. وها هم يخاطبونهم في الفصل المعنون «فصل في مخاطبة المتشيعين» بعبارات تؤكد الصلة دون توكيد التماثل التام: «قد جمع الله بيننا وبينك أيها الأخ البار الرحيم في أسباب شتى وخصال عدة، مما يؤكد المودة بين الإخوان، ويجمع شمل الأصدقاء في جميع صلاح الدين والدنيا، أيدك الله ...
صفحه نامشخص