48

طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول

طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول

ناشر

دار البصيرة

ویراست

الأولى

محل انتشار

الإسكندرية

ژانرها

قواعد فقه

الذين سلكوا هذا السبيل، كلَّهم يخبر عن نفسه بما يوجب حيرته وشكُّه. والمسلمون يشهدون عليه بذلك. فثبت بشهادته وإقراره على نفسه، وشهادة المسلمين الذين هم شهداء الله في الأرض، أنه لم يظفر من أعرض عن الكتاب وعارضه بما يناقضه بيقين يطمئن إليه، ولا معرفة يسْكُن بها قلبه.

والذين ادَّعوا في بعض المسائل، أن لهم معقولاً صريحاً يناقض الكتاب، قابلهم آخرون من ذوي المعقولات، فقالوا: إن قول هؤلاء معلوم بُطلانه بصريح المعقول. فصار ما يدَّعي معارضة الكتاب والسنة من المعقول، ليس فيه ما يجزم بأنه معقول صحيح: إمَّا بشهادة أصحابه عليه، وشهادة الأمة، وإما بظهور تناقُضهم ظهوراً لا ارتياب فيه، وإما لمعارضة آخرين من أهل هذه المعقولات لهم.

بل من تدبَّر ما يُعارضون به الشرع من العقليات، وجد ذلك مما يعلم بالعقل الصريح بُطلانه. والناس إذا تنازعوا في المعقول، لم يكن قول طائفة لها مذهب حُجَّة على الأخرى بل يرجع ذلك إلى الفِطَر السليمة التي لم تتغير باعتقاد يغيِّر فطرتها ولا هوى. فامتنع حينئذ أن يعتمد على ما يعارض الكتاب من الأقوال التي يسمونها معقولات، وإن كان ذلك قد قالته طائفة كبيرة لمخالفة طائفة كبيرة لها، ولم يبق إلا أن يقال: إن كل إنسان له عقل فيعتمد على عقل نفسه، وما وجده معارضاً لأقوال الرسول من رأيه، خالفه وقدم رأيه على نصوص الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم.

ومعلوم أن هذا أكثر ضلالاً واضطراباً. فإذا كان فحول النظر وأساطين الفلسفة الذين بلغوا في الذكاء والنظر إلى الغاية، وهم ليلهم ونهارهم يكدحون في معرفة هذه العقليات، ثم لم يصلوا إلى معقول صريح يناقض الكتاب، بل إما إلى حيرة وارتياب، وإما إلى اختلاف بين الأحزاب. فكيف غير هؤلاء ممن لم يبلُغ مبلغهم في الذهن والذكاء ومعرفة ما سلكوه من العقليات؟ فهذا وأمثاله مما يبين أن من أعرض عن الكتاب وعارضه بما يُناقضه، لم يعارضه إلا بما هو جهل بسيط أو جهل مركب،

48