فابتسم الرجل قائلا: سألت عنك مرة أخرى. - من؟ - أنت أدرى.
إلهام! خرافة كالرحيمي. - ليس وراء بلدكم إلا التعب. - الحياة كلها تعب، ولكن أما من جديد؟
أدرك أنه يسأل عن الرحيمي، فقال وهو يمضي محييا: سأبحث عنه غدا في القرافة.
11
غادر الفراش في السادسة صباحا. ترى هل ذاقت النوم عيناه؟ إنه لا يذكر من ليله إلا السهاد. ولكن مهلا لقد حلم. أجل لا يذكر من الحلم سوى منظر عراك نشب بينه وبين كريمة أمام عم خليل الذي لم يكترث لما يجري أمامه، ولكن ذلك دليل كاف على أنه نام ولو بعض الوقت. والجو بارد حقا، ولكن فلتكن رجلا إلى النهاية، وإلا فما معنى مباهاتك بأنك مجرم من سلالة مجرمين!
وأضاء المصباح فهاله أن يرى فردة القفاز في يمناه! حملق فيها بذهول وفزع. إذن رمى بالقضيب والفردة اليسرى ونسى هذه! عاد بها إلى شاطئ النيل، وسار في الجزيرة، وجرى وراء السيارة الكبيرة، وقطع الشوارع، ولوح بها للساوي وهو يحدثه. حملق فيها بفزع متزايد. بقعة من الدم انداحت وسط راحتها البنية. ماذا فعلت هذه القبعة! أي آثار خلفتها وراءك! وماذا بقي من حسن التدبير؟ عليك أن تختبر كل شيء. وتفحص الفراش والغطاء والملاءة، وأرض الغرفة، ثم الحذاء، والجورب، والبدلة، والقميص، والمنديل، كل شيء بعناية، ولكنه لم يطمئن لشيء، ودار رأسه بالوساوس فعيناه لا تريان شيئا، أما أعين شياطين الأمن فلن يخفى عليها شيء. وقرر أن يتخلص من القفاز فمضى به - مع الفوطة والصابونة - إلى الحمام، مخفيا في جيب البيجاما مقصه الصغير. وراح يقطعه، ويرمي بكل قطعة على حدة ثم يشد السيفون. وهو يفعل ذلك سقط منه مرة على الأرض، فالتقطه وواصل عمله، ثم غسل وجهه وغادر الحمام. وفي الطرقة رأى علي سريقوس أمامه فحياه الرجل قائلا: صباح الخير يا سي صابر، استيقظت اليوم مبكرا.
اللعنة! ماذا جاء بك إلى طريقي! ساكن الحجرة رقم 13 استيقظ مبكرا على غير عادته، هذا هو الشيء الوحيد غير العادي يا حضرة الضابط. اللعنة. بادرة سوء ولا شك. وهل غسل الأرض عند موضع سقوط القفاز؟ اللعين دخل الحمام! ولما دخلت الحمام عقب خروجه منه رأيت أثرا يشبه الدم عند البالوعة. ولم يدخل حجرته ولم تفارق عيناه باب الحمام. وفتح الباب وخرج علي سريقوس، فلما رآه بموقفه سأله: أي خدمة يا سي صابر؟
فذهب إلى الحمام دون أن يلتفت إليه ، وتفحص موضع سقوط القفاز جيدا ثم غادره، ولما رأى علي سريقوس في الخارج قال كالمعتذر: نسيت الصابونة.
فابتسم الرجل قائلا: كانت بيسراك وأنت ذاهب!
يا للداهية! وتكلف ضحكة قائلا: هذه عاقبة الاستيقاظ مبكرا قبل أن يشبع الواحد من النوم، زياط ملعون أيقظني بعد الفجر، وعبثا حاولت النوم من جديد!
صفحه نامشخص