فأجابته وكانت تفيق رويدا من صدمة اللقاء والتسلل: ربما، المهم أنك ستنتظر هنا في حجرة النوم، ويجب أن تختبئ تحت السرير بمجرد أن تسمع الباب الخارجي وهو يفتح. - الأرض خشب؟ - أجل، ومغطاة بالبساط، البساط يغطي أرض الحجرة كلها. - طبعا سيغلق الباب الخارجي؟ - طبعا، الساوي يوصله عادة وخاصة حال غيابي، وهو يغلق الباب بنفسه، وغالبا ما يترك المفتاح في القفل أو يضعه على الترابيزة، وستفتحه وتخرج. - ألا أفاجأ بوجود أحد فوق السطح؟ - كلا، علي سريقوس ينزل بعد توصيل الرجل، وهو ينام في الدور الثالث. - سيسألون كيف دخل ال...؟ - ستكون النوافذ مغلقة، فإما أنه نسي أن يغلق الباب بعد ذهاب الساوي، أو أنه فتح لطارق. - هل يعقل أن يفتح لطارق قبل أن يسأله عن هويته؟ - لعله سمع صوتا يعرفه. - وتتجه الظنون إلى من يعرفهم في الفندق؟
قالت ببرود: هذا حسن، لن يقع بريء، والمهم أن تنجو أنت.
ثم أشارت إلى حقيبتها، وقالت: تمت السرقة المطلوبة، بعض حلي وبضعة جنيهات، وقد فتحت باب الصوان بنصل سكين وبعثرت الملابس، هل أتيت بالقفاز؟ - نعم. - حسن جدا، وإليك قضيب الحديد.
أشارت إلى القضيب فوق الترابيزة، وقالت: أحضرته من الطقيسي وكان رجل كرسي ولادة أثري فلا تمسه إلا بالقفاز، احذر أن يسقط منك شيء وأنت تحت السرير.
خيل إليه أن وجهها ذبل تماما من شدة إشعاع عينيها. قالت: يجب أن أذهب.
وتعانقا كما تعانقا أول مرة، ثم قال: ابقي بعض الوقت. - ولكن حان وقت الذهاب. - ألم تنسي قول شيء؟ - ثبت قلبك، وتصرف بعقل في كل خطوة، ور... - وماذا؟
حدجته بنظرة غريبة، ثم همست: لا شيء، ادخل تحت السرير.
وتعانقا للمرة الثالثة، كأنما تشبث بها، ثم مضت إلى الخارج وهي تنادي بأعلى صوتها على سريقوس فسارع بالدخول تحت السرير. وعادت كريمة يتبعها الرجل فأمرته بأن يغلق النوافذ المفتوحة، ويتأكد من إغلاق الأخريات. وانتظرت حتى قام بمهمته، وأطفأت النور ثم ذهبا معا. خرج صابر من تحت السرير. ثم وقف بحذر، في ظلام حالك. الظلام ضرب من الاختناق، وضياع وعدم. ولبس القفاز بعناية. وجال بيده متحسسا حتى عثر على الترابيزة، ثم تناول القضيب وشد عليه بقوة. وارتد إلى موقفه الأول، ثم جلس على حافة الفراش. اختفت الدنيا، لا شيء سوى ملمس الفراش، ورائحة عطارة، وصوت الصمت الآخذ في الاستفحال. لا مفر فيجب أن تهوي الضربة بإحكام. والانتصار بضربة واحدة خير من العناء والصبر، والانتظار العابث، والبحث الضائع. وحب إلهام سحابة شفافة، ولكنها أشق من القتل. ومديح الشحاذ يترامى فهو لم يأو إلى جحره بعد. نداء ضائع كالإعلان، وثروة الأم المصادرة. ومتى تعانق كريمة بحرارة وأمان؟ وذوبان الأعصاب في الظلام محنة، ولكن وراءك إرادة من حديد، وقلبا ينطلق إلى مراده الجهنمي كالشهاب.
وهذا صوت علي سريقوس فوق السطح يغني:
أيام بنشرب عسل
صفحه نامشخص