على أن هذه الأسرة تمت إلى العروبة بسبب آخر من جهة الشرف على ما ينقله خلفهم عن السلف وهو علة ورود أسماء أفرادها في الأوراق والصكوك القديمة مقرونة بلفظ «السيد» حتى بنى المترجم داره بدرب سعادة سنة 1230 نقش على رخامة ببابها «السيد محمد تيمور». ومن تلك الأوراق علمنا أنه محمد بن إسماعيل بن علي كرد، والله سبحانه أعلم.
وكان وصول المترجم إلى مصر مع الجنود المرسلين إليها بعد نزوح الفرنسيين، فوقع بينه وبين محمد علي - أحد مقدميهم - تآلف غريب وصداقة أكيدة ظهر أثرها بعد ولايته على مصر؛ فإنه لم يكد يرتقي حتى أخذ بيد المترجم معه وتدرج به في الارتقاء حتى جعله من كبار قواده، واعتمد عليه في كثير من شئونه، كحادثة الفتك بأمراء الجراكسة بالقلعة، وغيرها مما كان يقدم عليه أو يقوم في وجهه من النوازل والفتن، ولم يقصره على الجندية بل ولاه عدة أعمال من أعمال البلاد المصرية المسماة إذ ذاك «الكشوفية»، ومنها لزمه لقب الكاشف الذي كان يلقب به حتى بعد تركه تلك الأعمال.
ولما جرد جيشا لمحاربة الوهابية بقيادة ولده طوسون باشا اختار جماعة من قواده المحنكين، وكان فيهم المترجم، فقدر الله لهذا الجيش الهزيمة والتشتت، وذهب المترجم مع من ذهب إلى المويلح، ثم رجعوا إلى طوسون باشا بينبع البحر، وغضب عليهم محمد علي غضبا شديدا من جراء ذلك، ثم عاد وصفح عنهم تأليفا لقلوبهم وقلوب عسكرهم وأذن لهم بالحضور إلى مصر، فوصلوا إليها في شهر ربيع الآخر سنة 1227. ولما مهدت أمور الحجاز ولي المترجم إمارة مدينة الرسول، وبقي بها خمس سنوات، ثم فصل عنها ولم يعد للمناصب المصرية، وكان أعجزه الهرم فوظفت له الحكومة مرتبا كافيا، وأقام بداره مقبلا على العبادة إلى أن توفاه الله سنة 1264، وقد ناهز الثمانين من عمره، ودفن في مرقده الذي أعده لنفسه ولأسرته بالقرب من مقام الإمام الشافعي.
ولم يكن يتعاطى شيئا من أمور الحكومة في تلك الفترة إلا ما كان يستشيره فيه عزيز مصر، وكثيرا ما كان يفعل فيدعوه إلى قصره بشبرا أو يركبه معه في عجلته عند ذهابه إليه. وبلغ من بره أنه كان لا يخاطبه إلا بلفظ «أرقداش» أي الأخ أو الرفيق. وقد تعدت هذه المحبة من الوالد إلى الولد فاتصلت بينه وبين إبراهيم باشا نجل العزيز؛ فكان كثيرا ما يدعوه للسمر معه أو يمر عليه بداره بدرب سعادة ويصحبه إلى حيث يريد. (1-1) حليته وأخلاقه
كان ربعة إلى القصر، أبيض الوجه، كبير اللحية أشيبها، لباسه السراويل الواسعة والجبة، والعمامة الكبيرة ولم يغيرها إلى مماته. وكان على جانب كبير من التقوى، كثير البكاء والاستغفار عقب كل صلاة، عادلا في حكومته مع شيء من الشدة الغالبة على حكام ذلك الزمن. (1-2) أولاده
ولد له عدة بنين وبنات، لم يعش منهم غير ولده إسماعيل المرزوق له من السيدة عائشة الصديقية بنت عبد الرحمن أفندي، أحد كتاب الديوان السلطاني (وسيأتي خبر ذلك فيما يلي). (1-3) لقبه
لفظ «تيمور» الملقبة به هذه الأسرة لفظ تركي معناه الحديد، والأتراك يقولون فيه أيضا «دمير ودمور»، ولم يذكره العلامة أبو حيان النحوي في كتابه «الإدراك للسان الأتراك»، بل دمر وتمر.
والدائر على الألسنة اليوم فتح أوله. ولم نقف على نص في ضبطه في المعاجم التركية التي بأيدينا، إلا أن بعض أهل العلم زعم أن الصواب فيه كسر الأول، وهو مطابق للمعروف عند أفراد هذه الأسرة، وبه ضبطه أيضا العلامة محمد عبد الحي اللكنوي في تعليقاته على كتابه «الفوائد البهية في تراجم الحنفية» المسماة ب «التعليقات السنية»؛ فقال فيما علقه على ترجمة السيد الشريف الجرجاني ذاكرا تيمورلنك الشهير ما نصه: «هو بكسر التاء المثناة الفوقية وسكون الياء المثناة التحتية وواو ساكنة بين ميم مضمومة وراء.» إلى أن قال: «والعرب يقولون في اسمه تمور تارة وتمرلنك تارة أخرى» ا.ه.
قلت: ولعل القول الثاني منشأ قول الإفرنج فيه
Tamerlan
صفحه نامشخص