تاریخ امت در عصر خلفای راشدین
عصر الخلفاء الراشدين: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثالث)
ژانرها
3
ولما اشتد تعدي المشركين على رسول الله وأبي بكر أذن الرسول لصاحبه بالهجرة، فضاق بذلك أول الأمر، ثم قبل أن يهاجر نحو الحبشة، فلما بلغ قارة «برك الغماد»
4
لقيه سيد القارة المعروف بابن الدغنة، فسأله: أين تريد؟ فقال: أخرجني قومي، فأريد أن أسيح في الأرض فأعبد ربي، فقال ابن الدغنة: إن مثلك لا يخرج، إنك لتكسب المعدوم وتصل الرحم وتحمل الكل وتقري الضيف وتعين على نوائب الحق، فارجع فاعبد ربك، فارتحل ابن الدغنة وأرجع أبا بكر، وكان ابن الدغنة في كفار قريش، وقال لهم: إن أبا بكر لا يخرج مثله ولا يخرج، أتخرجون رجلا يكسب المعدوم ويصل الرحم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق؟! فأنفذت قريش جوار ابن الدغنة وأمنوا أبا بكر، وقالوا لابن الدغنة: مر أبا بكر ليعبد ربه في داره وليصل ما شاء وليقرأ ما شاء ولا يؤذينا.
فكان أبو بكر يصلي في مسجد داره ويقرأ القرآن، فتقف عليه نساء المشركين وأبناؤهم يتعجبون منه وينظرون إليه ، وكان يكاد لا يملك دموعه حين يتلو القرآن ويرتله، فأفزع ذلك مشركي قريش، فأرسلوا إلى ابن الدغنة، فقدم عليهم، فقالوا: إنا أجرنا لك أبا بكر على أن يعبد ربه في داره، فأعلن الصلاة، وخشينا أن يفتن نساءنا وأبناءنا، فإن أحب أن يقتصر على أن يعبد ربه في داره خفية، وإن أبى فليرد ذمتك. فأتى ابن الدغنة أبا بكر وطلب منه ما طلبته قريش، فقال أبو بكر: فإني أرد عليك جوارك وأرضى بجوار الله ورسوله. ورجعت قريش تؤذيه، فتحمل ذلك صابرا محتسبا كل ما يلقاه في سبيل الله، إلى أن ضاق ذرعا بما يلقاه من أذى قريش، فاستأذن النبي في الهجرة، فقال له الرسول: على رسلك يا أبا بكر، فإني أرجو الله أن يأذن لي بها فنخرج معا، ففرح أبو بكر وقال: أوترجو ذلك بأبي أنت وأمي؟ فقال الرسول: نعم، ففرح أبو بكر وأخذ يعد عدة السفر وعلف راحلتين كانتا عنده.
وروي عن السيدة عائشة أنها قالت: بينما نحن جلوس يوما في بيتنا في الظهيرة إذ قال قائل لأبي: هذا رسول الله
صلى الله عليه وسلم
مقبل متقبع، في ساعة لم يكن يأتينا فيها، فقال أبي: فداه أبي وأمي، إن به في هذه الساعة لأمرا. قالت: فجاء الرسول فاستأذن فدخل فقال لأبي: أخرج من عندك، فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي وأمي أنت، فقال الرسول: قد أذن لي بالخروج، فقال أبو بكر: فالصحبة بأبي وأمي أنت يا رسول الله، فقال الرسول: نعم، فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي، فخذ إحدى راحلتي هاتين، فقال الرسول: بالثمن، قالت عائشة: فجهزناهما أحث الجهاز ووضعنا لهما سفرة في جراب، وقطعت أسماء من نطاقها وأوكت به الجراب؛ ولذلك سميت: ذات النطاقين، ودخل رسول الله بغار في جبل ثور، ولحق به أبو بكر فمكثا فيه ثلاث ليال، وكان يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام شاب ثقف لقن، وكان يدلج من عندهما سحرا فيصبح عند قريش كبائت بينهم، فلا يسمع أمرا يكادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام.
5
ولما قدم أبو بكر المدينة مع رسول الله كان عونه وعضده وسميره ووزيره، وكان لا يبخل عليه بماله، وينفق كل ما يملكه في سبيل الدعوة، وروى عروة بن الزبير قال: أسلم أبو بكر وله أربعون ألفا أنفقها كلها على رسول الله وفي سبيل الله. وعن أسماء بنت أبي بكر أنها قالت: لما خرج رسول الله وخرج أبو بكر معه احتمل أبو بكر كل ماله معه وهو خمسة آلاف درهم أو ستة خرج بها معه، فدخل علينا جدي أبو قحافة وقد ذهب بصره، فقال: والله إني لأراه فجعكم بماله مع نفسه، قالت: كلا يا أبت إنه قد ترك لنا خيرا كثيرا.
صفحه نامشخص