عصر ازدهار: تاریخ امت عربی (بخش پنجم)
عصر الازدهار: تاريخ الأمة العربية (الجزء الخامس)
ژانرها
ويظهر أن الفضل قد استولى على كل شيء في الدولة، حتى على المأمون نفسه، فعزل وولى، وجعل أخاه واليا على العراق مسيطرا على بغداد، وقرب الفرس وأبعد العرب، وتظاهر بمذاهب الأكاسرة وطرائقهم ومظاهرهم، يقول الجهشياري (في كتاب الوزراء والكتاب، ص316): «كان ذو الرياستين يجلس على كرسي مجنح، ويحمل فيه إذا أراد الدخول على المأمون فلا يزال يحمل حتى تقع عليه عين المأمون، فإذا وقعت وضع الكرسي، ونزل عنه فمشى وحمل الكرسي حتى يوضع بين يدي المأمون، ثم يسلم عليه ذو الرياستين، ويعود ويقعد عليه ... وإنما ذهب ذو الرياستين في ذلك مذهب الأكاسرة، فإن وزيرا من وزرائها كان يحمل في مثل ذلك الكرسي ويقعد بين أيديها عليه.»
والحق أن بقاء المأمون في خراسان، وتقليم أظافر العرب في ديارهم وتقويته مخالب الفرس، ما هو إلا تأييد للسياسة الفارسية وإحياء للدولة الكسروية، ولو لم يقتله المأمون في شعبان سنة 202 بطريق الحيلة على الشكل الذي رأينا لظل تحت رهبوته، ولم يستطع حتى بعد قتله أن يقطع صلة له بأسرته، فاستوزر أخاه الحسن لمدة قصيرة، وتزوج ببنته بوران ترضية، ثم قطع آخر صلة له لهذه الأسرة حين عزل الحسن، وولى أحمد بن أبي خالد الأحول، وكان من خيار الوزراء ومدبريهم، جذب قلوب الناس نحو إمامه، وأحسن سياسة الأمور، ولم يكن فيه عيب سوى شراهته في الطعام، فكان الناس يترقبون إليه في المآكل، وقد أخذ عليه ذلك إلى أن مات سنة 211ه، فولى المأمون وزارته ابن يوسف الكاتب، وكان من خيرة الكتاب وأجودهم خطا وأكثرهم فضلا، فأحبه المأمون لفضله ونبله، ولكن بعض بطانته حسدوه فأفسدوا قلب الخليفة عليه فعزله، ثم استوزر القاضي يحيى بن أكثم التميمي، وكان من جلة العلماء والفقهاء والمحدثين، وجمع له قضاء القضاة مع الوزارة، ويظهر أن تولية يحيى بن أكثم أمر الوزارة مع القضاء جعلته يشتهر بالقضاء أكثر من الوزارة، حتى إن ابن طباطبا لم يذكره في كتابه الفخري في عداد وزراء المأمون، وإنما ذكر وزارة يحيى بن ثابت الرازي بعد وزارة أحمد بن يوسف، وكان ثابت بن يحيى الرازي كاتبا حاذقا بالحساب، إلا أنه أهوج محمق سريع الغضب، ولم تطل وزارته، فولاها بعده محمد بن يزداد بن سويد الخراساني، وكان أديبا بارعا حاسبا، فوض إليه المأمون جميع أموره ومات وهو وزيره، ويظهر أن المأمون في آخر أمره أراد أن يستعين بوزير كفء يعتمد عليه، فاختار ابن سويد واطمأن إليه ، حتى إنه فوض إليه وزارته لما كان يتمتع به من حسن الخلق والأمانة والإدارة الحسنة والعلم الوافر والسياسة البارعة. (5-2) الخراج
سار المأمون في الأمور المالية من خراج وجباية وضرائب على سيرة أبيه مستنيرا بكتاب الإمام القاضي أبي يوسف، فازدهرت البلاد اقتصاديا في عهده وانتعش بيت المال لحسن سيرة الخليفة وترتيب أمور الجباية، وقد حفظ لنا ابن خلدون في تاريخه وثيقة قيمة جدا ذكرها في المقدمة نقلا عن كتاب جراب الدولة عدد الأقاليم الإسلامية في عهد المأمون ومقدار جبايتها من الدراهم والدنانير والعروض، ولا بأس من إيراد نص تلك الوثيقة لقيمتها التاريخية النفيسة، ولأنها تعطينا صورة حقيقية عن غنى الدولة ومواردها وموازنتها، قال ابن خلدون: «وجد بخط أحمد بن محمد بن عبد الحميد عمل بما يحمل إلى بيت المال ببغداد أيام المأمون من جميع النواحي نقلته من جراب الدولة:
جدول مقدار موارد الدولة العباسية في عصر المأمون بالدراهم والعروض. *
الأقاليم
الجباية من الدراهم
الجباية من العروض
السواد
27800000 درهم
200 حلة نجرانية 240 رطلا من طين الختم
صفحه نامشخص