عصر ازدهار: تاریخ امت عربی (بخش پنجم)
عصر الازدهار: تاريخ الأمة العربية (الجزء الخامس)
ژانرها
ويظهر على الرغم من عناية الرشيد بهذه الصوائف والشواتي، لم تكن له خطة مرسومة لفتح بلاد الروم والاستيلاء على أوروبا؛ لكثرة المشاكل الداخلية، ففي سنة 170ه، وهي السنة الأولى من حكمه أمر بفصل الثغور الشامية عن الجزيرة وسماها «العواصم» وجعلها منطقة عسكرية مستقلة قاعدتها «منبج» بعد أن كانت تابعة للجزيرة.
قال الطبري: «وفيها؛ أي سنة 170ه، عزل الرشيد الثغور كلها عن الجزيرة وقنسرين وجعلها حيزا واحدا، وسميت «العواصم»، وفيها عمرت «طرطوس» على يد أبي سليم فرج الخادم التركي ونزلها الناس، ولا شك في أن غرض الرشيد من بناء هذه المدينة وفي إيجاد منطقة العواصم هو إيجاد منطقة عسكرية خاصة تهتم بالحدود وتمون الصوائف والشواتي السنوية، وتكون على اتصال دائم بالحدود ومعرفة ما يبيته الروم للمسلمين.»
وقد كانت الصوائف سنوية فلا يكاد يقدم الصيف حتى تكون الصائفة في طريقها إلى الغزو والفتح، ولم يكتف الرشيد بالغزو البري، بل أعد أسطولا بحريا لذلك، واتخذت سواحل الشام ومصر وقبرص مراكز لهذه العمارة البحرية، وإليك أخبارا مجملة عن أهم الصوائف والغزوات البحرية التي قام بها الجيش الإسلامي لغزو بلاد الروم في عهد الرشيد:
في سنة 174ه/سنة 790م سار الأسطول الإسلامي من مصر إلى قبرص، ومنها إلى السواحل البيزنطية في آسيا الصغرى، حيث قابلهم الأسطول البيزنطي، وكانت الغلبة للمسلمين، فأسروا أمير البحر البيزنطي.
وفي سنة 181ه/797م في الشاتية غزا الروم عبد الملك بن صالح العباسي حتى بلغ أنقرة وافتتح «مطمورة» ومشيها أيضا في الصائفة، وفي تلك السنة غزا الرشيد بنفسه أرض الروم فافتتح عنوة «حصن الصفصافة»، فتوجه للقائه قسطنطين السادس ابن الإمبراطورة إيرين غسطة التي يسميها العرب «ريني»، وفي تلك السنة أيضا حصل أول فداء للأسرى بين الروم والمسلمين، يقول ابن الأثير: «وفيها (أي في سنة 181ه) كان الفداء بين الروم والمسلمين، وهو أول فداء كان أيام بني العباس وكان القاسم بن الرشيد هو المتولي له، وكان الفداء بالأمس على جانب البحر بينه وبين طرطوس 12 فرسخا، وكان عدد الأسرى 3700 وقيل أكثر.»
5
وفي سنة 183ه قبل الرشيد أن يعقد صلحا بينه وبين الإمبراطورة ريني على أن تدفع الجزية، واستمر ذلك إلى سنة 187ه حين تولى الإمبراطور نقفور عرش الروم، فنقض عهد الصلح وبعث الرشيد ابنه القاسم فحاصر حصن قرة
Cerum ، وحاصرت إحدى فرقه حصن سنان حتى جهد، فبعث إليه الروم أنهم يبذلون له «320» أسيرا لقاء فكه الحصار ورحيله عنهم، فأجابه إلى ذلك، ومات علي بن عيسى بن موسى في هذه الغزاة بأرض الروم، ولما رجع القاسم كان نقفور قد رتب أموره الداخلية فعزم على أن يقف موقفا جديدا من المسلمين، وكتب كتابا إلى الرشيد حفظ لنا الطبري نصه وفيه يقول: «من نقفور ملك الروم إلى هارون الرشيد ملك العرب، أما بعد؛ فإن الملكة التي كانت قبلي أقامتك مقام الرخ وأقامت نفسها مقام البيذق، فحملت إليك من أموالها ما كنت حقيقا بحمل أمثالها إليها، ولكن ذلك ضعف النساء وحمقهن، فإذا قرأت كتابي فاردد ما حصل قبلك من أموالها وافتد نفسك بما يقع به المصادرة لك، وإلا فالسيف بيننا وبينك»
6 (الطبري).
فلما قرأه الرشيد استفزه الغضب ودعا بدواة وكتب على ظهر الكتاب: «بسم الله الرحمن الرحيم من هارون الرشيد أمير المؤمنين إلى نقفور كلب الروم، قد قرأت كتابك يا بن الكافرة، والجواب ما تراه دون ما تسمعه والسلام.» ثم سار بنفسه لقتاله حتى أناخ بأبواب هرقلة، ففتح وغنم وحرق وضرب، فطلب نقفور الصلح والموادعة على خراج يؤديه سنويا وجعل مقدار الجزية دينارا واحدا على كل حالم من الروم، وأن لا يبني نقفور الحصون المهدومة، فقبل الرشيد، ولما وصل إلى الرقة بلغه أن نقفور نقض العهد، وكان البرد شديدا فلم يثنه ذلك عن الرجوع والإيقاع بجند نقفور، وفي ذلك يقول أبو العتاهية:
صفحه نامشخص