عصر اتساق: تاریخ امت عرب (جلد چهارم)
عصر الاتساق: تاريخ الأمة العربية (الجزء الرابع)
ژانرها
53
وكانت لهم قبل ذلك حملات ورحلات تجارية إلى بلاد الشام، كما كان لهم علاقات ثقافية، وقد قويت هذه العلاقات التجارية والثقافية بعد الإسلام، وظهر أثرها في كثير من التقاليد والأنظمة التي ظهرت في البلاط الأموي بدمشق، فقد رأينا في كلام المسعودي الذي وصف فيه مجالس معاوية وطريقته في قضاء يومه، أنه كان يخلو بنفسه فيسامر جماعة من أهل الفضل، أو يقرأ في كتاب الأقدمين من فرس وروم؛ ليطلع على أخبارهم ويعرف أحوالهم. وروى محمد كرد علي أن الفرس سكنوا منذ القديم في بعلبك، وأن معاوية نقل قوما من الفرس إلى طرابلس، وجبيل، وصيدا، وصور، وبيروت، كما نقل قوما من فرس بعلبك وحمص وأنطاكية إلى سواحل الأردن، وصور، وعكا في سنة 42، ونقل من أساورة البصرة والكوفة.
54
ويظهر أن هؤلاء الفرس كانوا بحارة، فلما أراد معاوية تنظيم الأسطول العربي استعان بهم، فجاء بهم إلى السواحل السورية.
وأما الزط: وهم قوم من الهنود الذين سكنوا العراق منذ زمن بعيد؛ فقد روى البلاذري أن معاوية نقل في سنة 49 أو سنة 50 إلى السواحل قوما من زط البصرة والسبايجة.
55
وأنزل بعضهم أنطاكية، ويظن أنه أراد الاستعانة بهم لتنظيم أمور الثغور.
وبعد، فقد كان لاختلاط هؤلاء الأقوام في الديار الشامية أثره الفعال في تلقيح الثقافات المختلفة، وإيجاد نظم قوية لدولة فتية. والفضل في ذلك كله يرجع إلى معاوية الذي أسس الدولة وشاد قواعدها، وانتقى لها العناصر الصالحة التي تستطيع أن تعينه على قهر خصمه الأول، وهو الروم الذين أخذ يعبئ قواه البرية والبحرية لهم؛ فقد رأينا عنايته بأمور الأسطول واهتمامه ببناء دور الصناعة في عكا وصيدا وصور وغيرها من المرافئ الشامية. ولا شك في أن عمال دور الصناعة وبحارة السفن، كانوا من الروم السوريين والفرس والزط الذين رأينا معاوية يملأ الموانئ السورية بهم.
وقد انقسم الناس في هذه البيئة الإسلامية إلى ثلاث طبقات متمايزة: (1)
طبقة المسلمين من عرب أو غيرهم. وقد كان لهم من الامتيازات ما جعلهم أعلى الطبقات؛ أما العرب فلأنهم رجال الدين الجديد وعماد الخلافة. وقد كان أكثر هؤلاء من أصحاب الإقطاع أو الجند. (2)
صفحه نامشخص