عصر اتساق: تاریخ امت عرب (جلد چهارم)
عصر الاتساق: تاريخ الأمة العربية (الجزء الرابع)
ژانرها
وبنو عباد قوم من العرب الخلص، ينسبون إلى المناذرة اللخميين، نبغ منهم في إشبيلية قاض ذكي ألمعي داهية وهو القاضي أبو عباد محمد بن عباد، وكان له سلطان واسع في سنة 1023م، فلما مات في سنة 1042 خلفه ابنه عباد، وكان مثل أبيه دهاء وعبقرية، فاستطاع أن يستولي على كثير من الأمراء المتغلبين الذين يجاورونه من المسلمين، واستطاع أن يتجنب ضربات الملك فردلند (فرديناند) صاحب قشتالة وليون، ولقب نفسه بألقاب الخلفاء فتسمى بالمعتضد، وتوسع ملكه وعظم سلطانه حتى توفي سنة 1069م، فخلف لابنه محمد المعتمد دولة ضخمة واسعة الأرجاء تشتمل على جميع القسم الجنوبي الغربي من الأندلس. وفي سنة 1071 استطاع أن يضم إقليم قرطبة إلى ملكه. ولما مات فردلند خلفه ابنه ألفونس السادس، وكان عنيفا شديدا لم يقبل من المعتمد الجزية التي كان يعطيها لأبيه، وأصر على اقتحام بلاد المعتمد، فاستولى على طليطلة، وسار نحو الجنوب حتى بلغ جزيرة طريف، واستنجد المعتمد ببعض الأمراء المسلمين في الأندلس فلم ينجدوه، وتمكن منه ألفونس، وأخذت دول الطوائف تسقط الواحدة تلو الأخرى في أيدي النصارى إلى أن قضي عليها جميعا، فتراجع الإسلام إلى شمالي إفريقية، وظهرت فيه بعض الدول القوية، وكانت أعظمها دولة المرابطين، وزعيمهم يوسف بن تاشفين البربري، فرأى المعتمد أن يستنجد به، فبعث إليه بكتاب مطول يرجوه فيه أن ينتقم للإسلام من النصرانية، ويعينه على حرب ألفونس.
1
فقدم يوسف بجيش لجب، والتقى الجمعان عند الزلافة
Sacralias
بالقرب من مدينة بطليوس في تشرين الأول سنة 1086م، وفتك يوسف وجنده بألفونس وجنده شر فتك، ولم ينج ألفونس من القتل إلا بأعجوبة، وسر المسلمون بهذا الظفر، ورجع المرابطون إلى شمال إفريقية، ولكنهم لم يلبثوا فيها فترة حتى طمعوا في خيرات الأندلس، واستطابوا أرضها وثمراتها، فزحفوا عليها فاتحين لا منقذين، واحتلوا غرناطة سنة 1090م، ثم احتلوا إشبيلية سنة 1091، ثم استولوا على أكثر مدن الأندلس، ونفوا المعتمد بن عباد إلى شمال إفريقية، واعتقلوه مكبلا بالحديد في سجن أغمات حتى مات سنة 1095م، وبموته استتبت الأمور في الأندلس لابن تاشفين، ولمع نجم دولة المرابطين. (1) المرابطون
كانت قبيلة لمتونة - وهي إحدى قبائل صنهاجة البربرية - ممتدة مضاربها من بلاد السنغال حتى شمالي إفريقية، وقد نبغ فيها بعض الزعماء السياسيين، وأشهرهم يحيى بن إبراهيم الجدالي، فرأى أن يبني حركته السياسة على حركة دينية، فذهب إلى الحج سنة (1048-1049م)، واتصل في مراكش أثناء عودته بالفقيه عبد الله بن يس الجزولي الصوفي فاستقدمه معه، وأسكنه مع نفر من متصوفي قومه ومجاهديهم في جزيرة بالسنغال، وابتنى لهم رباطا، فأخذ الإمام الجزولي يشرح لهم عقائد الدين، وبين لهم فضائل الجهاد والرباط في سبيل الله، ثم تكاثر هؤلاء المريدون المرابطون، فاستعان بهم يحيى الجدالي على محاربة أمراء الأطراف، وعظم نفوذه ولم يمت في سنة 1056م، حتى ترك لأخيه أبي بكر وابن عمه يوسف بن تاشفين أسس دولة فتية قائمة على أسس متينة من الدين والاستبسال في نصرته؛ وأخذت هذه الدولة تستولي على الأطراف حتى كانت سنة 1062م، فابتنى يوسف بن تاشفين مدينة مراكش، وجعلها عاصمة لدولته الجديدة، ثم استولى على فاس في سنة 1070م، وعلى طنجة في سنة 1078م، ثم امتد سلطانه ما بين سنتي 1080-1082م على جميع إفريقية الشمالية من المحيط الأطلسي حتى بلاد الجزائر.
ولما ضعف ملوك الطوائف، واستنجد أعظمهم المعتمد بن عباد صاحب طليطلة بيوسف بن تاشفين لإنقاذه من براثن ملوك النصرانية استجاب يوسف للدعوة شرط أن يمنح الجزيرة الخضراء لتكون مركزا لجنده، ثم زحفت جيوش يوسف، فاحتلت الجزيرة الخضراء، ثم سارت نحو إشبيلية فأقبل عليها المعتمد بن عباد مرحبا خاضعا، وكان الملك ألفونس يحاصر مدينة سرقسطة، فلما علم بمقدم جيوش المرابطين البربر زحف للقائه في جيش لجب، والتقى الجمعان عند الزلاقة، وانهزم ألفونس بعد أن أخلى إقليم بلنسية، وتراجع إلى إقليم مرسية ولورقة، ثم رجع ابن تاشفين إلى إفريقية، حين علم بوفاة ابنه أمير سبتة، فترك الأندلس وقفل راجعا إلى بلاده، ولم تمض فترة حتى اجتمعت جيوش صاحب قشتالة، وروذريق القنبيطور.
2
وهاجمت ديار المسلمين من جديد، فاستنجد أمراؤهم بيوسف بن تاشفين، وزحف في ربيع عام 1090م على الأندلس ثانية، وانضم إليه أمراء مالقة وغرناطة وألمرية وإشبيلية، وسار بهم فحاصر «حصن الليط»، وقضى على حاميته النصرانية، وقوي سلطانه في البلاد، فاجتمع إليه الفقهاء والوجوه، وطلبوا إليه أن يقضي على ملوك الطوائف ويوحد البلاد تحت سلطانه، فأعجبته الفكرة، واستصدر من قاضيي غرناطة ومالقة فتويين تقولان بأن ملوك الطوائف قد ضعفوا عن حكم البلاد، وأهملوا شعائر الدين، وأن الدين يقضي بإقصائهم عن دست الحكم؛ فاستولى ابن تاشفين على الأندلس، وضمه إلى المغرب موجدا أعظم إمبراطورية إسلامية في المغرب، وسار بالبلاد أحسن سيرة إلى أن هلك سنة 1106 فخلفه ابنه علي، وكان متحمسا في دينه، متعصبا تعصبا بعيدا عن المنطق وروح الدين الحقيقية، فسيطرت الجهالة على المسلمين، وعمت الفوضى والتخاذل، وخلف عليا بعد سنة 1143م أمراء ضعاف، وانتهز أمراء النصارى هذا الضعف، فأخذوا يغيرون على البلاد بعد أن انصرف المرابطون في الملذات، وتم للملك ألفونس ملك أرغونة أن يفتح سرقسطة، ثم هاجم غرناطة وفتك بأهلها شر فتكة، وأخذ نجم المرابطين يأفل، وسلطانهم يخمل حتى قضى على آخرهم إسحاق في سنة 1147م. (2) دولة الموحدين
ما إن زالت دولة المرابطين حتى ظهرت دولة الموحدين، وهم جماعة من البربر ينتهون إلى قبيلة معمودة البربرية القوية، وكان مبدأ دعوتهم أن أحد الفقهاء المثقفين الذين تلقوا العلم في المدرسة النظامية ببغداد، واسمه محمد بن تومرت المهدي، رأى الجهالة التي حلت بقومه، وفساد الوضع الاجتماعي والديني، فآلى على نفسه أن يقوم بحركة تهدف إلى إحياء الدين، والقضاء على البدع والضلالات، وتعمل على بث التوحيد، وعاضده في حركته الإصلاحية الدينية زعيم سياسي اسمه عبد المؤمن بن علي من قبيلة زنانة البربرية، فاتفق الرجلان على القيام بهذه الحركة الدينية الدنيوية، وتعهد عبد المؤمن بأن يتولى الحركة الدنيوية، ويقود جماعات الموحدين لنشر دعوتهم، فامتدت الحركة حتى استولت على بلاد مراكش وفاس، وجبال الأطلس إلى أن مات ابن تومرت في سنة 1130م، فقام عبد المؤمن بأعباء الدعوة، وعظم سلطانه. وكانت دولة المرابطين في دور النزاع، فاستولى على أملاكها في شمالي إفريقية ، ثم بعث قائده الأمير براز إلى الأندلس، فقضى على بقايا المرابطين، ووسع رقعة الإمبراطورية الموحدية.
صفحه نامشخص