عصر پرتاب: تاریخ امت عرب (قسمت دوم)
عصر الانطلاق: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثاني)
ژانرها
ثم إن عمر خرج يوما وقد آلمه ما جاء به محمد، ففرق جمع قريش وشتت أبناءها، وعلم أنه وصحابته في دار عند الصفا، فذهب إليه متوشحا سيفه ليؤذيه على ما فعل بقريش، فلقيه في الطريق نعيم بن عبد الله، فقال له: إلى أين يا ابن الخطاب؟ فقال: أريد محمدا هذا الصبائي الذي فرق أمر قريش وسفه أحلامها فأقتله. فقال نعيم: أفلا ترجع إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم. قال: فأي أهل بيتي صبأ؟ قال: ختنك وابن عمك وأختك، فقد والله أسلما. فرجع عمر إلى بيت أخته وزوجها وعندها خباب بن الأرت ومعه صحيفة يقرأ فيها القرآن، ولما وصل سمع هيمنة فقال: ما هذه الهيمنة؟ فقالا له: لا شيء. فقال: بلى والله لقد سمعت أنكما تابعتما محمدا. وبطش بختنه فأدماه، فقالت أخته: أسلمنا فاصنع ما بدا لك. ولما رأى الدم بختنه وأخته ندم على ما فعل، وقال: أعطني الصحيفة التي سمعتكم تقرءون فيها. فقالت أخته: يا أخي، إنك نجس على شركك ولا يمسها إلا الطاهر. فاغتسل وأعطته الصحيفة وفيها سورة طه، فقرأها وقال: ما أحسن هذا الكلام وأكرمه! فلما سمع خباب كلامه خرج وقال له: والله إني سمعت رسول الله يقول أمس: اللهم أيدني وأيد الإسلام بأبي الحكم بن هشام أو بعمر بن الخطاب؛ فالله الله يا عمر. فقال له : دلني على موضعه أذهب إليه. فدله فأتى رسول الله وهو وأصحابه في البيت عند الصفا، ثم طرق الباب، فرآه القوم متوشحا سيفه، ففتح له الباب ولقيه رسول الله، فأخذ بحجرته وجبذه جبذة شديدة وقال له: «ما بك يا ابن الخطاب؟ فوالله ما أرى أن تنتهي حتى ينزل الله بك قارعة.» فقال عمر: جئتك لأومن بالله ورسوله. فكبر رسول الله وكبر القوم مبتهجين بذلك. ثم تفرق أصحاب رسول الله من مكانهم وقد عز ما في أنفسهم حين أسلم عمر مع إسلام حمزة، وعرفوا أنهما سيمنعان رسول الله
صلى الله عليه وسلم
ينتصفون بهما من عدوهم،
11
وكان إسلام عمر في السنة الخامسة للبعثة.
الفصل الثاني
القسم الثاني من العهد المكي
لما أسلم حمزة وعمر تنفس المسلمون الصعداء، فقويت نفوسهم واطمأنوا على إخوانهم في الحبشة وأن النجاشي لن يسلمهم، فأخذوا يعلنون شعائرهم، وقريش تتميز من الحنق، فأجمعت رؤساؤهم وائتمرت في أمر النبي وأصحابه، فاتفق رأي أهل العقد والحل منهم على مقاطعة بني هاشم وبني عبد المطلب، وعلى ألا ينكحوا إليهم ولا ينكحوهم ولا يبيعوهم شيئا ولا يبتاعوا منهم، فلما اجتمعوا كتبوا ذلك في صحيفة، ثم علقوا تلك الصحيفة في الكعبة توكيدا منهم على أنفسهم. وكان كاتب الصحيفة منصور بن عكرمة بن عامر، ويقال النضر بن الحارث، فلما فعلت قريش ذلك انحازت بنو هاشم وبنو المطلب إلى شعب أبي طالب، سوى أبي لهب فإنه انفصل عنهم، وأقاموا على ذلك سنتين، أو ثلاثا، حتى جهدوا، وكان لا يصل إليهم شيء إلا سرا، وقد كان أبو جهل من أشد من ضيق عليهم الخناق، حتى إنه لقي مرة حكيم بن حزام بن خويلد ومعه غلام يحمل قمحا يريد به عمته خديجة بنت خويلد، فقال: أتذهب بالطعام إلى بني هاشم؟ والله لا ترجع أنت وطعامك حتى أفضحك بمكة. فجاء أبو البختري بن هشام فقال: ما لك وله؟ فقال: يحمل الطعام إلى بني هاشم! فقال أبو البختري: طعام كان لعمته عنده بعثت إليه تطلبه، أفتمنعه أن يأتيها بطعامها؟! خل سبيل الرجل. فأبى أبو جهل حتى نال أحدهما من صاحبه، فأخذ أبو البختري لحي بعير فضربه فشجه ووطئه وطئا شديدا، وحمزة قريب يرى ذلك، وهم يكرهون أن يبلغ ذلك الرسول فيشمتوا بهم، ورسول الله يدعو قومه ليلا ونهارا، سرا وجهرا، وقريش مستمرة في عنادها، والقرآن الكريم ينزل في هجاء قريش، ويهاجم معتقداتها الفاسدة، ويدعو إلى الإسلام وتوحيد الله.
ومما هو جدير بالذكر أن القرآن نزل في هذه الفترة بتهديد نفر من وجوه قريش؛ منهم أبو لهب وزوجه، وأمية بن خلف الجمحي، والعاص بن وائل السهمي، والنضر بن الحارث، وعبد الله بن الزبعرى، والأخنس بن شريق، والوليد بن المغيرة. وفي هذه الفترة رجع مهاجرو الحبشة إلى مكة، فقد بلغتهم قوة الإسلام ودخول أكثر أهل مكة فيه، فلما وصلوا مكة علموا أن الأمر على العكس، فلم يستطيعوا أن يدخلوها إلا مستخفين أو داخلين في جوار بعض زعمائها. ثم إن بعض زعماء قريش - وعلى رأسهم هاشم بن عمر بن ربيعة، وزمعة بن الأسود، والبختري بن هشام، والمطعم بن عدي، وزهير بن أبي أمية - رأوا أن ما فعلوه مع إخوانهم وأبناء عمومتهم بني هاشم وعبد المطلب هو عمل شائن لا يليق، فعزموا على نقض الصحيفة، ثم إن هؤلاء الخمسة من زعماء قريش ذهبوا إلى الكعبة فطافوا بالبيت سبعا، ثم قام زهير بن أبي أمية فقال: يا أهل مكة، نأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى لا يباعون ولا يبتاع منهم! والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة. فقال أبو جهل: كذبت، والله لا تشق. فقال زمعة بن الأسود: أنت والله الأكذب، ما رضينا كتابها. فقام أبو البختري فقال مثل قولهما، فقام الباقون فقالوا مثل ذلك، وأبو طالب جالس في ناحية المسجد، فقام المطعم فمزق الصحيفة وصرف الله ذلك البلاء عن بني هاشم وبني عبد المطلب.
ثم أخذت وفود كثيرة من القبائل تقدم على مكة، فيعرض النبي عليها الإسلام، فكان بعضها يدخل فيه وبعضها يعرض عنه، وكان ممن قدم على النبي في تلك الفترة وفد أهل الحبشة، وهم عشرون رجلا، فجلسوا إلى النبي وسألوه عن بعض المسائل، فقرأ عليهم بعض القرآن، فأسلموا ورجعوا إلى بلادهم مبشرين بالإسلام داعين إليه ذاكرين فضائل محمد وحسن طريقته.
صفحه نامشخص