عصر انحلال: تاریخ امت عرب (جلد ششم)
عصر الانحلال: تاريخ الأمة العربية (الجزء السادس)
ژانرها
الفصل الرابع
في نتائج الانحلال
نتج من انحلال الدولة العباسية في هذا الحين أمران خطيران رئيسيان؛ الأول: انقسام الدولة إلى دويلات. والثاني: قوة أمر أصحاب العقائد والمذاهب المخالفة لمذهب الخلافة.
وإليك تفصيل هذين الأمرين: (1) ظهور الدويلات الجديدة وهي (1) الدولة الطاهرية. (2) الدولة الزيادية. (3) الدولة الزيدية. (4) الدولة الصفارية. (5) الدولة السامانية. (6) الدولة الساجية. (7) دولة الأدارسة. (8) دولة الأغالبة. (9) دولة الطولونيين. (10) دولة الإخشيديين.
فقد كان طبيعيا، بعد هذا الانحلال الذي رأينا مظاهره ومجاليه، أن تتجزأ الدولة الكبرى وتنفصل عنها دويلات ترتبط بها اسما، وما هي في الحقيقة إلا دولة مستقلة، استقل أصحابها ببلادهم، وتمتعوا بخيراتها وأبقوا للخليفة الاسم الوهمي الذي لا طائل تحته، ولم يبقوا له إلا النفوذ الروحي والأثر الديني، والحق أن أولى هذه الدويلات التي استقلت في المشرق استقلالا حقيقيا عن دولة الخلافة، هي الدولة الصفارية، أما الدولة الطاهرية، التي يرجع عهدها إلى ما قبل العصر الذي نؤرخه، فقد أبقت بعض العلائق القوية بينها وبين المركز في بغداد، وإنما نذكرها ها هنا؛ لأنها هي أولى الدول التي ابتدعت بدعة الانفصال، وقد أشرنا إلى بعضها في «عصر الازدهار». (1-1) الدولة الطاهرية (205-259ه/820-872م)
أول من أسس هذه الدولة هو الأمير طاهر بن الحسين بن مصعب الخراساني، وهو من بيت عريق في إيران، ولد ببوشنج من أعمال مرو سنة 159ه، وكان جده مصعب بن زريق بن ماهان، واليا عليها وعلى هراة، وكان قبل ذلك كاتبا وصاحب سر سليمان بن كثير الخزاعي أحد دعاة الدولة العباسية.
نشأ طاهر ببوشنج كما ينشأ أبناء الوجوه، وكان شجاعا أديبا، وهو أحد قواد المأمون، لعب دورا هاما في الفتنة بين الأمين والمأمون، وكانت له يد كبيرة في فوز المأمون على أخيه، فكافأه المأمون على بلائه الحسن لما تم له النصر على الأمين، وذاعت شهرته وسمت مكانته، فولاه الجزيرة وجانبي بغداد ، وأحسن القيام بأعماله هذه. وفي سنة 205ه ولاه أمر خراسان، وما إليها إلى أقصى المشرق فسار بالناس أحسن سيرة، وحمد له المأمون والأهلون دهاءه وعقله وأمانته، قال ابن طيفور في تاريخ بغداد، نقلا عن يحيى بن أكثم إن المأمون قال: «ما حابى طاهر في جميع ما كان فيه أحدا، ولا مالأ أحدا، ولا داهن ولا وهن ولا وني ولا قصر في شيء، وفعل في جميع ما ركن إليه ووثق به أكثر مما ظن له وأمله، وأنه لا يعرف أحدا من نصحاء الخلفاء وكفاتهم فيمن سلف عصره ومن بقي في دولته، على مثل طريقته ومناصحته وغنائه وإجزائه.» ويظهر أن الثقة التي وثقها المأمون بعامله، جعلت طاهرا يغتر بنفسه بعد أن أقام فترة في خراسان؛ فقد طمحت نفسه إلى الانفصال عن الدولة، وأعلن عصيانه على الخليفة سنة 207ه، ولما كتب إليه الخليفة بغضه على بعض ما بلغه عنه، أجابه طاهر بن الحسين جوابا أغلظ فيه، ثم تطور الأمر بين الخليفة وطاهر، فقطع طاهر في الخطبة للخليفة، وساءت الأمور. روى صاحب بريد المأمون في مرو قال: حضرت مرة صلاة الجمعة فصعد طاهر المنبر، فخطب، فلما بلغ إلى ذكر الخليفة أمسك عن الدعاء له وقال: اللهم أصلح أمة محمد
صلى الله عليه وسلم
بما أصلحت به أولياءك،
1
صفحه نامشخص