عصر انحطاط: تاریخ امت عربی (بخش هفتم)
عصر الانحدار: تاريخ الأمة العربية (الجزء السابع)
ژانرها
وفي سنة 626ه عهد الملك المسعود بإمارة الحجاز إلى عتيقة صارم الدين ياقوت، فتولاه باسم مولاه، وفي تلك السنة مات الملك المسعود، فاستولى ياقوت على اليمن والحجاز، وتسمى باسم الملك المنصور، وأخذ يوسع سلطانه حتى سيطر على أكثر بقاع الجزيرة، ثم بعد فترة بعث الملك الكامل مولاه طغتكين أميرا على الحجاز، وهكذا خضعت الجزيرة إلى الأيوبيين أو إلى مواليهم على الأصح.
وفي سنة 629ه كان الشريف راجح بن قتادة قد جمع جيشا لاستعادة الحجاز من الأيوبيين، فزحف نحو اليمن، وأغرى نور الدين الرسولي على أن يتعاونا على الاستيلاء على الحجاز، فقبل نور الدين وسارا فطردا طغتكين، وحكم راجح البلاد باسم الدولة الرسولية، وظل حكمه إلى أواخر سنة 630ه.
وفي أوائل سنة 631ه عادت الجيوش الأيوبية من جديد فطردت راجحا، ولكنه لم يلبث طويلا حتى استردها وأقام فيها إلى سنة 637ه، وفي هذه السنة أرسل الملك الصالح الأيوبي صاحب مصر ألف فارس بقيادة الشريف شيحة بن قاسم أمير المدينة لقتال صاحب اليمن، فتلقته الجيوش اليمانية وهزمته.
وفي سنة 639ه أرسل صاحب مصر جندا كثيرا للاستيلاء على مكة، فلما بلغت أخبارهم إلى صاحب اليمن خرج للقائهم، والتقى الجمعان، فهرب المصريون بعد أن أحرقوا دار السلطنة بمكة، ودخل صاحب اليمن إلى مكة، فأبطل كثيرا من المكوس والظلامات، وعزل الشريف راجحا، وولى الشريف أبا سعد الحسن بن علي بن قتادة، فذهب راجح إلى المدينة، واستنجد بأخواله فبعثوا معه جماعة، والتقى الجمعان، ففاز جمع أبي سعد، وكان على رأسهم الشريف أبو نمي، ودخل أبو نمي مكة، وأقام أبو سعد في ولاية الحجاز إلى سنة 651ه، وفي أوائل هذه السنة بعث الخليفة الناصر جيشا لاستخلاص الحجاز بقيادة الشريف جماز بن الحسن بن قتادة من دمشق، فدخل الجيش مكة واستولى عليها وقتل أبا سعد، ولكنه لم يلبث أن نقض عهده مع الخليفة الناصر ، وخطب للملك المظفر ابن الملك المنصور الرسولي، واستمر ذلك إلى موسم الحج حين قدم عليه عمه راجح مقاتلا، فاستولى على مكة وطرد جمازا، وظل أميرا على البلاد إلى سنة 652ه حين ثار عليه ابنه غانم وطرده، وظل غانم أميرا إلى شوال من السنة نفسها، حين ثار عليه الشريفان أبو نمي وإدريس بن علي بن قتادة، واشتد القتال بين الثلاثة، وبينا كانوا جميعا مشتبكين إذا هم بالملك المظفر الرسولي يبعث جيشا بقيادة المبارزين علي بن برطاس لنجدة غانم، ولكن أبا نمي وإدريس تغلبا عليه وطرداه، ولم يستطع أحد من المسلمين القيام بفريضة الحج هذه السنة.
وفي سنة 654ه اختلف أبو نمي وإدريس، ثم تصالحا، واستمر هذا الصلح إلى سنة 657ه، حين عادا من جديد إلى الاختلاف، وطرد أبو نمي عمه إدريس، وخطب لصاحب مصر السلطان بيبرس، وحج بيبرس هذه السنة فعظمه أبو نمي كثيرا، ورأى السلطان أن يصلح بين العم وابن أخيه فتم ذلك، وعادت السكينة إلى الديار المقدسة، ولكن إدريس أخذ ينفرد بإدارة البلاد فسكت أبو نمي على مضض إلى أن جمع جموعا كثيرة قاتل بها إدريس، وعادت الفتنة من جديد جذعة، ولم تنته إلا بعد قتل إدريس في فجر سنة 669ه، ولما قتل إدريس لجأ ابنه غانم إلى الشريف جماز في المدينة فأنجده بجماعة ذهب بهم لقتال أبي نمي، ولكن هذا فرق تلك الجموع.
وفي سنة 683ه، وأثناء الموسم، وقعت فتنة جديدة بين أبي نمي وأولاد أخيه، وكان مع هؤلاء جند من اليمن فطردهم أبو نمي، ثم قدم الحاج المصري ومعه ثلاثة آلاف فارس لمقاتلة أبي نمي، فتحصن بالمدينة وأغلق أسوار مكة عليه، فأحرق المصريون السور ودخلوا المدينة، فنادى منادي أبي نمي: «من قتل من المصريين أحدا فله سلبه وفرسه»، ففتك جنده بالمصريين، وأخذوا خيلهم وسلاحهم، واستطاع نفر من الجند أن يرجعوا إلى مصر، ويخبروا السلطان بما جرى، فعزم على أن يرسل جيشا كبيرا لقتال أهل الحجاز، ولكن أهل الرأي والدين أشاروا عليه بأن يتلافى الأمر، ويقبل بإمارة أبي نمي على الحجاز حقنا للدماء وإجلالا لتلك الديار المقدسة، فقبل وبعث إليه بألقاب الإمارة.
وفي سنة 688ه ولى السلطان قلاوون على الحجاز الشريف جماز بن شيحة أمير المدينة فدخل مكة بعد أن طرد أبا نمي، ولكن هذا استطاع أن يجيش جيشا من أنصاره ومن الأعراب، وأن يهجم على مكة ويفتك بمن فيها، واستمر أبو نمي مستقلا بمكة إلى سنة 701ه وكأنه قد أحس بثقل الأيام على كاهله فنزل عن الملك لولديه حميضة ورميثة، ولم يلبث بعد ذلك حتى مات بعد أن حكم الديار المقدسة نحوا من نصف قرن استقلالا أو بالمشاركة مع أبيه وعمه.
ولما حج بيبرس في سنة 702ه، وكان أيامئذ أميرا على الكرك، اشتكى إليه الشريفان عطيفة وأبو الغيث ابنا أبي نمي أنهما مظلومان فولاهما على مكة، ونفى حميضة ورميثة إلى مصر، ولكنهما لم يلبثا أن عادا إلى مكة في سنة 703ه أميرين، فسارا بالناس سيرة حسنة أول الأمر ثم أخذا يظلمان الناس، ولم ينقذهم منهما إلا أبو الغيث بن نمي الذي قدم في سنة 713ه بجيش من المصريين فهرب حميضة وأخوه إلى اليمن، ودخل أبو الغيث إلى مكة، ثم بعث سرية إلى اليمن للفتك بحميضة ورميثة فلم تظفر بطائل، ولما رجع العساكر المصريون إلى مصر رجع حميضة من اليمن، وانتزع مكة، وقتل أبا الغيث في أوائل سنة 714ه، واستقل بمكة حتى أخذها أخوه رميثة منه، واضطر حميضة أن يفر إلى العراق لاجئا إلى السلطان خذابنده، فأكرمه، ثم حسن له حميضة أن يزحف على الحجاز ويستولي عليها؛ لأن من يستولي على البلاد المقدسة ينال شرفا عظيما، فجهز خذابنده جيشا في عشرة آلاف، وبعث الشريف حميضة معهم، وبينا كانوا في الطريق هلك خذابنده فاضطرب أمر الجند وتفرقوا، وعزم حميضة على أن يسير بنفسه فلم يصل إلى الحجاز حتى لم يبق معه إلا نحو ثلاثين فارسا، فكتب إلى أخيه مستعطفا طالبا إليه الإذن بدخول مكة، فاعتذر رميثة وكتب إلى سلطان مصر الملك الناصر يستأذنه بذلك فلم يسمح له بدخول مكة، بل قال له: إذا أراد المجيء إلى مصر قبلناه ولا يسمح له بدخول مكة، وبعث السلطان إلى الشريف حميضة بالأمان، فلم يقبل حميضة بالسفر إلى مصر، وذهب إلى قبائل الحجاز مستنصرا فأعانته على الدخول إلى مكة في سنة 718ه فدخلها وخطب لأبي سعيد بن خذابنداه؛ فغضب الملك الناصر، وبعث بجيش لجب فقتل حميضة.
وفي سنة 719ه حج الملك الناصر صاحب مصر، وولى على الديار المكية الشريف عطيفة بن أبي نمي، واستمر إلى سنة 721ه، وفيها وقع قحط كبير بالحجاز فتوجه عطيفة إلى مصر، فرسم السلطان الملك الناصر بنقل الحبوب والبقول إلى الحجاز، ورتب لمكة كل سنة شيئا من القمح يحمل إليها من الصعيد على شريطة أن يسقط أمير مكة المكوس والضرائب التي يفرضها على الحجيج.
وفي سنة 734ه طلب إليه السلطان أن يشرك معه أخاه رميثة في الحكم فقبل، ووقعت بعد ذلك منافسات بين الأخوين، واستمرا يتناوبان الحكم فيها إلى سنة 737ه، وفيها اعتقل السلطان عطيفة بمصر إلى أن مات سنة 743ه واستقل أخوه رميثة في الحكم إلى سنة 745ه وفيها نزل رميثة لولديه ثقبة وعجلان عن الحكم.
صفحه نامشخص