عصر انحطاط: تاریخ امت عربی (بخش هفتم)
عصر الانحدار: تاريخ الأمة العربية (الجزء السابع)
ژانرها
وهكذا فسدت الأحوال الإدارية وتبعتها الأحوال الاقتصادية، فرأى أن يجهز بعض الحملات العسكرية لعله يشغل المماليك بها ويقصيهم عن البلاد؛ فبعث عدة حملات إلى جزيرة قبرص، ولكن ذلك لم يفد، إلى أن وافاه أجله في سنة 872ه، فلما مات عمد كبار المماليك وزعماؤهم إلى تولية الأمير أبي سعيد بلباي ولقبوه بالملك الظاهر في سنة 872ه/1467م فاستبد بالناس والمماليك، وحاولوا خلعه بعد شهرين فلم يستطيعوا أول الأمر، ثم تمكنوا من تولية الأمير أبي سعيد تمربغا الظاهري، ولقبوه بالملك الأشرف أيضا، ولم يبقوه إلا نحوا من شهرين أيضا لسوء سيرته، فخلعوه، وولوا الأمير «قايتباي» الظاهري، وكان هذا رجلا حازما قويا يملك عددا كبيرا من المماليك استطاع بهم أن يقضي على نفوذ منافسيه ويخضد شوكة الأحزاب المتناحرة حتى استتب له الأمر فشرع في تقوية الجيش، فقد بلغه أن السلطان محمد الثاني العثماني قد قهر الملك السلطان حسن الطويل صاحب فارس، وكان بين المصريين وبين الفرس اتفاق وتحالف، وتأكد أن العثمانيين لا بد أن يفاجئوه ويهاجموا الشام، فبعث بحملة قوية رابطت في الحدود الشامية الشمالية، وحدث في تلك الأثناء أن اختلف ابنا محمد الثاني العثماني على السلطنة وهما «بايزيد الثاني» و«جم»، واضطر «جم» إلى أن يلتجئ إلى «قايتباي»، فأكرم وفادته، وأرسل إلى قائد الحملة المصرية المرابطة على الحدود الشامية أن يناجز الجيش العثماني، فاستولى على طرسوس وآذنة وما حولهما، وانكسر الأتراك العثمانيون أمام الجيش المصري، وأسر المصريون قائد الأتراك أحمد خان صهر السلطان «بايزيد» أسيرا إلى القاهرة، فاستشاط «بايزيد» غضبا، وجند جندا كثيرا بقيادة علي باشا للزحف على المصريين، وتم له ذلك في سنة 893ه، فلما علم «قايتباي» بذلك خاف مغبة الأمر فأطلق سراح الأمير أحمد خان، وبعث به على رأس بعثة لعقد هدنة بينه وبين السلطان العثماني، فرفض «بايزيد»، وصمم على محاربة «قايتباي» فاسترد مدينتي طرسوس وآذنة، ولكن المصريين عادوا فاستطاعوا أخذ المدينتين ثانية بعد حرب طاحنة، وخشي «قايتباي» أن تتأزم الحالة بينه وبين العثمانيين، فترك المدينتين، وكتب إلى «بايزيد» يطلب إليه أن يهادنه فتم له ذلك في سنة 896ه.
وكان «قايتباي» مثل بيبرس؛ ملكا حازما مولعا بنشر سلطانه، محبا لرعيته حدبا على المسلمين، ولما بلغه ما يقاسيه أهل الأندلس من النصارى بعث وفدا من رهبان القدس إلى الملك فرديناند يتودد إليه ويتوعده إن هو استمر في تعديه على مسلمي الأندلس، ومما قال لهم: قولوا له إن لم يبق على غرناطة وأهلها فإن كنائس المشرق جميعا ستهدم، ويعطل الحج إلى كنسية القيامة وبيت لحم وسائر الأمكنة المقدسة عند النصارى، ولم يستمر «قايتباي» طويلا بعد ذلك؛ بل أدركته منيته في سنة 901ه بعد أن حكم نحوا من ثلاثين سنة شاد فيها كثيرا من الدور والقصور وأماكن العبادة والعلم، والمشافي والقلاع والحصون، وقد بكى لما بلغه انهدام المسجد النبوي في المدينة، وأنفق على إعادته نحوا من مائة ألف دينار.
ولما هلك تولى الأمر من بعده ابنه أبو السعادة محمد الملك الناصر، وكان فتى أخرق أحمق لا هم له إلا الانغماس في شهواته، وقد خلعه الناس بعد ستة أشهر من توليه، وبايعوا الأمير «قانصوه خمسمائة» ولقبوه بالملك الأشرف، ولكنه كان عاجزا فلم يثبت إلا نحوا من خمسة أشهر، ثم تنازل عن الملك للناصر محمد بن «قايتباي» في سنة 902ه فعاد هذا إلى لهوه وفسقه وجوره حتى ضاق المماليك به فخلعوه بعد ثمانية عشر شهرا في سنة 904ه وولوا عمه «قانصوه» على الرغم منه، فلم يلبث إلا أن خلعوه بعد نحو سنتين، وولوا الأمير جان بلاط، ولقبوه بالملك الأشرف في سنة 905ه/1500م ولم يحكم إلا سبعة أشهر.
وفي سنة 906ه/1501م زحف الأمير طومان باي صاحب الشام على القاهرة فاستولى على القلعة، وخلع السلطان، ونصب نفسه، وبعث جان بلاط أسيرا إلى الإسكندرية، وكان طومان باي ظالما فاجرا، ولم يلبث أن قام عليه المماليك والزعماء فهرب منهم، ولحقوا به فقتلوه في سنة 906ه، ثم أجمعوا أمرهم على اختيار الأمير «قانصوه الغوري» سلطانا، ولقبوه بالملك الأشرف، وكان رجلا تقيا صالحا، بعيدا عن الدسائس، محبا للخير، قويا حازما على الرغم من سنينه الستين، فانصرف أول الأمر إلى تدبير أمور الدولة فاجتمعت له مبالغ ضخمة أنفقها في سبيل الإصلاحات العامة، وتحصين الإسكندرية ورشيد ودمياط، وتنظيم مجاري القاهرة، وإصلاح الزراعة، وإشادة عدة أبنية ضخمة في مكة والمدينة والقاهرة ومن أجلها مسجده العظيم في القاهرة، وفي أيامه أعد أسطول عظيم لحماية البحار العربية الشرقية من غارات القراصنة البرتغاليين الذين أخذوا يهددون سواحل مصر والحجاز واليمن، وبعث كتابا إلى البابا في رومية مع وفد كبير من رؤساء الكنائس المسيحية في القدس ينذر فيه زعماء البرتغال أنهم إن عادوا يحملون على الموانئ العربية والحجازية بصفة خاصة فإنه سيفتك بالنصارى، كما أنذر البابا بأنه إن لم يفعل ما يستطيع في سبيل ذلك فإنه سيعاقب نصارى البلاد بقسوة وعنف شديدين.
وفي سنة 918ه جاء الأمير كركود أخ السلطان سليم الأول إلى مصر لاجئا، فرحب به «قانصوه» الغوري وجهزه بعشرين بارجة، ولكن الأسطول العثماني استطاع أن يفتك بالبوارج المصرية، وزحف السلطان سليم على الشام فاحتل حدوده الشمالية، وبعث برسالة تهديد إلى «قانصوه» فكاتب هذا الشاه إسماعيل الصفوي يدعوه للاتفاق معه على قتال سليم، ولكن سليما كان أقوى منهما كليهما، فقد زحفت الجيوش العثمانية على الشام، وأحس «قانصوه» بالخطر فسار بجيش من مصر للقائه، واجتمعا عند «مرج دابق» قرب حلب، وكاد الظفر يتم للمصريين؛ لما أبدوه من الشجاعة، وبخاصة السلطان «قانصوه» نفسه، ولكن المدافع العثمانية أخرست الرماح والحراب والسيوف المصرية، فاختل نظام الجيش المصري، وهزمت جموعه بعد أن قتل «قانصوه» في رجب سنة 922ه/أغسطس 1516م، وتفرق الجيش المصري، ووصلت الجيوش العثمانية إلى الديار الحلبية، ولما بلغت هذه الأخبار إلى القاهرة اضطرب أمرها، وكان المشرف عليها الأمير طومان باي، فخاف مغبة الأمر، وجمع من بقي من الأمراء والأعيان وشاورهم، فاتفقوا على أن يولي نفسه سلطانا، وأن يحصن القاهرة، وكان رجلا داهية فأخذ ينظم جنده، ويعد حملة للقاء العثمانيين، وبينا هو كذلك إذ جاءه كتاب السلطان سليم وفيه حملة على السلطانين «قانصوه» والشاه إسماعيل، وتهديد لطومان باي، فلما قرأ الكتاب استشاط غيظا وعزم على القتال، أما سليم فإنه بعد استيلائه على الديار الشامية كلها سار نحو مصر، ولما بلغ حدودها أعلمه جواسيسه أن طومان باي قد حصن الصالحية فتركها عن يمينه، وسار حتى أتى الخانكاه على بضع ساعات من القاهرة، فلما علم طومان باي لحق به، والتقى الجمعان بالقرب من بركة الحج، وقاتل طومان باي بضراوة، وقذف بنفسه مع بعض الفدائية في قلب الجيش التركي حتى بلغ خيمة السلطان سليم، ولكن فرقة من العثمانيين استطاعت أن تدخل القاهرة، وتستولي على القلعة، ثم استولت على المدينة كلها، واستدعى السلطان سليم الخليفة، فحضر إليه وقدمه للصلاة بعد أن خطب باسمه، وأصاب القاهرة من البلاء والنهب شيء عظيم، ولقي المماليك من ضروب القتل والفتك ألوانا، وفروا إلى جنوب القاهرة، وعلى رأسهم طومان باي، والتف حولهم جماهير من الأعراب، ونشبت معركة ثانية بين المصريين والعثمانيين فانتصر الأتراك، والتجأ طومان باي إلى أحد أمراء الأعراب فسلمه إلى السلطان سليم فقتله، وبموته انتهت دولة المماليك بعد أن حكمت مصر والشام مائة وتسع وثلاثين سنة، ومنذ ذلك الحين أضحت مصر إحدى الإيالات التابعة للدولة العثمانية.
شجرة المماليك الشراكسة
الملك الظاهر برقوق 1382م.
الملك الصالح حاجي البحري 1389-1390م.
الناصر فرج 1398م أولا، 1406م ثانيا.
المنصور عبد العزيز 1405م.
صفحه نامشخص