عصر انحطاط: تاریخ امت عربی (بخش هفتم)
عصر الانحدار: تاريخ الأمة العربية (الجزء السابع)
ژانرها
وفي عهد غازان قضي على البدو الذين كانوا يعيشون في البوادي والديار العراقية، ولا تكاد تخلو سنة من سني تاريخ العراق في هذه الحقبة من ثورة يقومون بها أو غارة يغيرونها، وقد كانت الفتكة التي فتكها بهم في سنة 698ه درسا قاسيا ومؤدبا.
هذا موجز ما مر على العراق من حوادث في القرن السابع للهجرة بعد سقوط الخلافة العباسية، ويرى المتأمل أن العراق كان في حالة فاسدة، ولم يكن هذا الفساد منحصرا في النواحي السياسية والإدارية وحسب، بل كان عاما في كافة مرافق الحياة من اجتماعية ودينية وأدبية وعلمية، وسنرى تفصيل هذا في الفصل الخاص به.
وإذا كان العراق قد فقد الخلافة ومظاهرها وما تستتبعه من تكاليف، فإن الولاة والحكام - وأكثرهم من الفرس أو المغول - كانوا يحاولون التشبه بهذه المظاهر ويفرضون على الناس من سوقة وعامة وخاصة أن يلبوا طلباتهم، ويعطوا عن يد وهم صاغرون. أما حالة الشعب العامة فقد كانت - كما رأينا - جد سيئة في الغالب، ولم تكن حال أهل الذمة - من نصارى ويهود - أحسن حالا من المسلمين، بل كان الكل سواسية في تحمل ظلم هذا السلطان العاتي، غير أن اليهود بدهائهم وخبثهم وحيلهم كانوا يستطيعون - على قلة عددهم - التسلط على نفوس الحكام، والوصول إلى قلوبهم، ويستتبع هذا جر المغانم إليهم، وفرض نفوذهم على الآخرين.
الفصل الثاني
العراق في القرن الثامن للهجرة
أطل القرن الثامن على العراق ومحمود غازان هو سلطان على إيران والعراق، وهو طامع في السيطرة على الديار الشامية، وطرد المماليك المصريين منها، وقد تم له فتح قسم من بلاد الشام، وكان يطمع في فتحها كلها وضمها إلى مملكته، ولكن جيشه كسر في سنة 702ه/1302م، وقتل منهم مقتلة عظيمة، كما أسر منهم جماعات، وقد اهتم غازان لهذه الحادثة كثيرا فلحقته من ذلك حمى حادة، ومات مكمودا،
1
وكان قد أوصى بالملك من بعده لأخيه السلطان ألجايتو، فتولى الأمر في الثاني من ذي الحجة سنة 703ه، وكان أول عمل قام به هو أنه أعلن إسلامه وتسمى محمدا وتلقب بغياث الدين خدابنده ومعناها «عبد الله»، ثم انصرف إلى ترتيب أمور ممالكه وخاصة العراق، فإنها قد كانت مضطربة بعد الكسرة التي مني بها الجيش المغولي في الديار الشامية.
ولم يمض وقت طويل حتى عادت المياه إلى مجاريها، وانتظم حبل الأمن وخمدت الثورات واستقرت له الحالة في كافة الولايات؛ لأنه أعلن أن من تحدثه نفسه بشق عصا الطاعة فسينال أقصى العقوبة، ثم أرجع الأمور إلى ما كانت عليه أيام أخيه، فانتظمت الأحوال واستقرت، لولا أنه قام بعمل ضاق الناس به ذرعا ولم يتحملوه وثاروا عليه من أجله، وهو أنه في سنة 707ه/1307م أظهر التشيع ودعا الناس إليه بعنف، وكان قبل هذا التاريخ جاريا على منهج أهل السنة، أما في هذه السنة فإنه أمر بحمل الناس على التشيع وكتب بذلك إلى العراقين، وفارس، وأذربيجان، وأصفهان، وكرمان، وخراسان، وبعث الرسل إلى البلاد، فكان أول بلاد وصل إليها ذلك بغداد وشيراز وأصفهان، فأما أهل بغداد فامتنع أهل باب الأزج منهم، وهم أهل السنة - وأكثرهم على مذهب الإمام أحمد بن حنبل - وقالوا: لا سمع ولا طاعة، وأتوا المسجد الجامع يوم الجمعة في السلاح، وبه رسول السلطان، فلما صعد الخطيب المنبر قالوا له: نحن اثنا عشر ألفا في سلاحهم، وهم حماة بغداد والمشار إليهم فيها، فحلفوا له أنه إن غير الخطبة المعتادة أو زاد فيها أو نقص منها فإنهم قاتلوه، وقاتلو رسول الملك ومستسلمون بعد ذلك لما شاء الله. وكان السلطان قد أمر بأن تسقط أسماء الخلفاء وسائر الصحابة من الخطبة، ولا يذكر إلا اسم علي ومن تبعه كعمار رضي الله عنه، فخاف الخطيب من القتل وخطب الخطبة المعتادة.
2
صفحه نامشخص