عصر انبعاث: تاریخ امت عربی (جلد هشتم)
عصر الانبعاث: تاريخ الأمة العربية (الجزء الثامن)
ژانرها
إن هذه القصيدة تنطق بالحالة التي كان عليها أحرار العرب ومثقفوهم والجيل الصاعد آنئذ، فلا يلومنهم لائم لأنهم وثقوا بأقوال الغربيين وأعلنوها ثورة على دولة الخلافة، دون الاستيثاق منهم، فإنه:
لو كان من يسمع الشكوى كصاحبها
مضنى لما ضج بالزعم الذي زعما
الفصل الرابع
الشام والعراق والجزيرة بعد الثورة العربية
ما إن استقر الشريف فيصل في سورية حتى ألف الحكومة العربية على الشكل الذي أشرنا إليه سابقا، وأراد أن يسير بالبلاد سيرا استقلاليا، فأرسل حاكما من قبله إلى الشمال جعل مقره في حلب، وأرسل حاكما ثانيا إلى الغرب جعل مقره في بيروت في سنة 1918م، ولكن الحلفاء الغربيين لم يرقهم هذا التصرف، وسفروا عن نواياهم الاستعمارية، وأظهروا اتفاقا كانوا عقدوه فيما بينهم في 9 أيار سنة 1916م عرف باتفاق سايكس-بيكو، قسموا بموجبه البلاد العربية إلى مناطق نفوذ، فاستقلت إنكلترة بفلسطين وما إليها من بلاد الأردن، واستقلت فرنسة بالساحل السوري من حدود صور في لبنان إلى حدود جبال اللكام وميناء الإسكندرونة.
ولما رأى الأمير فيصل وإخوانه في دمشق هذا التعدي السافر أعلنوا غضبهم على الحلفاء، وأخذوا يعدون العدة للدفاع عن حقوقهم في مؤتمر الصلح الذي عقد في باريس عقب إعلان الهدنة في 11 تشرين الثاني سنة 1918م، وسافر الأمير فيصل إلى باريس مفوضا من قبل والده الملك حسين وأحرار العرب، كما سافر معه نفر من زعماء الحركة مثل السيد محمد رستم حيدر وبعض المستشارين، ولما وصلوا باريس عارضت الحكومة الفرنسية بقبول الأمير فيصل والسيد حيدر عضوين في المؤتمر، ولكن الحلفاء وجدوا أنفسهم مضطرين إلى قبولهما عضوين رسميين؛ لأنهما كانا يمثلان مملكة الحجاز التي غدت إحدى الدول الحليفة والمؤسسة لعصبة الأمم، والسبب في موقف فرنسة هذا الموقف أنها كانت تبيت الاستيلاء على سورية كلها، وعدم الاكتفاء بما أعطته إياها معاهدة سايكس-بيكو، من جعل القسم الداخلي لسورية دولة عربية يتولى أمرها الأمير فيصل ويكون تحت انتدابها. ولكن فيصلا أبى إلا أن يكون مستقلا بالبلاد كلها، فأسس مملكته على أسس الاستقلال الصحيح الكامل، ولما وقف في مؤتمر الصلح بباريس يوم 1 كانون الثاني سنة 1919م، وقدم مذكرته إلى المؤتمرين، طالب باستقلال البلاد العربية كلها من أقصاها إلى أقصاها، على أن تشكل ولايات متحدة عربية، ولكن الفرنسيين والبريطانيين دفعوا بعض أذنابهم من خونة العرب، يطالبون ببقاء الدول الغربية في البلاد، مثل شكري غانم رئيس ما أسماه «الجمعية السورية بباريس»، ومثل بعض اللبنانيين الذين طالبوا بإشراف فرنسة على بلادهم.
وكان جو المؤتمر مكفهرا بالنسبة لمطالب العرب القومية، فاجتمعت لجنة الأربعة، وهي تضم: ولسن رئيس الولايات المتحدة الأميركية، ولويد جورج رئيس وزارة بريطانية، وكليمنصو رئيس وزراء فرنسة، وأرلندو رئيس وزراء إيطالية، فقررت بأكثرية آرائها - وباستثناء رأي الرئيس ولسن - وجوب إبقاء البلاد العربية تحت الحماية الفرنسية والبريطانية. وقرر المؤتمر في 30 كانون الثاني سنة 1919 قرارا يقضي بأن تفصل سورية، ولبنان، والعراق، وفلسطين، وأرمينية، عن الحكومة التركية، وبأن تشرف على هذه الولايات دولة وصاية تديرها باسم عصبة الأمم.
وقد عارض الرئيس ولسن ذلك، ورفض الاعتراف بالمعاهدات السرية بين الحلفاء القاضية بتقسيم تركية بين إنكلترة وفرنسة وإيطالية، وطالب الرئيس ولسن بإرسال «لجنة استفتاء» تستطلع رأي الأهلين في العراق والشام، كما نصت المادة 22 من ميثاق عصبة الأمم، فرفضت إنكلترة وفرنسة ذلك، كما رفضتا الاشتراك في عضوية هذه اللجنة لنواياهما السيئة، وهكذا تألفت لجنة الاستفتاء من المستر كرين والمستر كينغ وبعض المستشارين والملحقين الفنيين، وقدمت إلى سورية في حزيران سنة 1919، وخرجت من الاستفتاء الذي قامت به بنتيجة لم تشذ عن قرار المؤتمر السوري، وهو: الاستقلال التام لسورية بحدودها الطبيعية، على أن تكون ملكية نيابية لا مركزية. وإذا كان لا بد من وصاية على الرغم من أهلها، فلتكن تلك الوصاية أميركية، وإلا فبريطانية. ورفضوا فرنسة رفضا باتا، كما رفضوا مطاليب الصهيونيين بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين.
ولم تسمح الحكومة البريطانية للجنة بالدخول إلى العراق، كما رفضت هي والحكومة الفرنسية قبول قرار لجنة الاستفتاء، ورجع الأمير فيصل إلى سورية وأعلن للناس نوايا الغربيين، وأن بريطانية ترفض الانتداب على سورية، وأنها قررت سحب جنودها من سورية وإحلال الجنود الفرنسيين محلهم.
صفحه نامشخص