تاريخ الترجمة في مصر في عهد الحملة الفرنسية
تاريخ الترجمة في مصر في عهد الحملة الفرنسية
ژانرها
6
وترك هذا القسم إلى قسم التصوير فشاهد هناك المصورين يصورون الأشخاص والأشياء جميعا، ووصفه بقوله: «وأفردوا لجماعة منهم بيت إبراهيم كتخدا السناري، وهم المصورون لكل شيء، ومنهم «أريجو» المصور، وهو يصور صور الآدميين تصويرا يظن من يراه أنه بارز في الفراغ مجسم يكاد ينطق، حتى إنه صور صورة المشايخ، كل واحد على حدته في دائرة، وكذلك غيرهم من الأعيان. وعلقوا ذلك في بعض مجالس صاري عسكر، وآخر في مكان آخر يصور الحيوانات والحشرات، وآخر يصور الأسماك والحيتان بأنواعها وأسمائها.»
7
ثم عرج بعد ذلك على قسم الكيمياء والطب فوصفه بقوله: «وسكن الحكيم «رويا» ببيت ذي الفقار كتخدا ... ووضع آلاته ومساحقه وأهوانه في ناحية، وركب له تنانير وكوانين لتقطير المياه والأدهان واستخراج الأملاح، وقدورا عظيمة وبرامات، وجعل له مكانان أسفل وأعلى، وبهما رفوف عليها القدور المملوءة بالتراكيب والمعاجين والزجاجات المتنوعة. وبها كذلك عدة من الأطباء والجراحية وأفردوا مكانا في بيت حسن كاشف جركس لصناعة الحكمة والطب الكيماوي، وبنوا فيه تنانير منهدمة، وآلات تقاطير عجيبة الوضع، وآلات تصاعيد الأرواح وتقاطير المياه، وخلاصات المفردات، وأملاح الأرمدة المستخرجة من الأعشاب والنباتات، واستخراج المياه الجلاءة والحلالة. وحول المكان الداخل قوارير وأوان من الزجاج البلوري المختلف الأشكال والهيئات على الرفوف والسدلات، وبداخلها أنواع المستخرجات.»
وقد أجريت أمام الجبرتي في هذا القسم بعض التجارب الكيميائية البسيطة التي يقوم بإجرائها تلميذ المدارس الثانوية عندنا اليوم ولكنها أدهشت عالمنا الكبير وحيرت فكره، فإنه يقدم لهذه التجارب قبل وصفها بقوله: «ومن أغرب ما رأيته في هذا المكان ...» ثم يصف ما رأى فيما يلي: «أخذ بعض المتقيدين زجاجة من الزجاجات الموضوع فيها بعض المياه المستخرجة، فصب منها شيئا في كأس، ثم صب عليها شيئا من زجاجة أخرى، فعلا الماءان، وصعد منهما دخان ملون حتى انقطع وجف ما في الكأس، وصار حجرا أصفر، فقلبه على البرجات حجرا يابسا أخذناه بأيدينا، ونظرناه، ثم فعل كذلك بمياه أخرى فجمد حجرا أزرق، وبأخرى فجمد حجرا أحمر ياقوتيا. وأخذ مرة شيئا قليلا جدا من غبار أبيض ووضعه على السندال، وضربه بالمطرقة بلطف، فخرج له صوت هائل كصوت القرابانة انزعجنا منه، فضحكوا منا. وأخذ مرة زجاجة فارغة مستطيلة في مقدار الشبر ضيقة الفم، فغمسها في ماء قراح موضوع في صندوق من الخشب مصفح الداخل بالرصاص، وأدخل معها أخرى على غير هيئتها، وأنزلهما في الماء، وأصعدهما بحركة انحبس بها الهواء في أحدهما، وأتى آخر بفتيلة مشتعلة، وأبرز ذلك فم الزجاجة من الماء، وقرب الآخر الشعلة إليها في الحال فخرج ما فيها من الهواء المحبوس وفرقع بصوت هائل أيضا. وغير ذلك أمور كثيرة، وبراهين حكيمة تتولد من اجتماع العناصر وملاقاة الطبائع، ومثل الفلكة المستديرة التي يديرون بها الزجاجة فيتولد من حركتها شرر يطير بملاقاة أدنى شيء كثيف ويظهر له صوت وطقطقة، وإذا أمسك علاقتها شخص ولو خيطا لطيفا متصلا بها، ولمس آخر الزجاجة الدائرة أو ما قرب منها بيده الأخرى، ارتج بدنه وارتعد جسمه، وطقطقت عظام أكتافه وسواعده في الحال برجة سريعة، ومن لمس هذا اللامس، أو شيئا من ثيابه، أو شيئا متصلا به، حصل له ذلك، ولو كانوا ألفا أو أكثر ...»
8
وقد تعمدت أن أنقل هذه النصوص الطويلة عن وصف الجبرتي لأقسام المجمع لأبين الفارق العظيم الذي كان يفصل حينذاك بين عقلية الغرب وعلوم الغرب - يمثلها علماء الحملة - وبين عقلية مصر والعلوم في مصر - يمثلها كبير من علمائها - ويبرز هذا الفارق اعتراف الجبرتي في تعليقه على هذا الوصف كله، فإنه يقول: «ولهم فيه أمور وأحوال وتراكيب غريبة، «ينتج منها نتائج لا تسعها عقول أمثالنا».»
وبمضي الوقت قويت الصلة بين الجبرتي ورجال الحملة الفرنسية في مصر، وكان الديوان قد عطل إبان المفاوضات بين الفرنسيين والأتراك لعقد معاهدة العريش، فقد كان الفرنسيون معتزمين الرحيل إذا نفذت المعاهدة، ولكن المعاهدة نقضت، ومع هذا ظل الديوان معطلا، ولم يفكر كليبر في إعادته، فلما قتل وانتقلت القيادة إلى «مينو» أعاد الديوان في صورة غير صورته أيام نابليون، وليس فيه كما يقول الجبرتي: «خصوصي وعمومي ... بل هو ديوان واحد.»
9
وكونه من «تسعة أنفار متعممين لا غير، وليس فيهم قبطي، ولا وجاقلي، ولا شامي ...»
صفحه نامشخص