تاریخ تمدن اسلامی
تاريخ التمدن الإسلامي (الجزء الأول)
ژانرها
قلعة القاهرة
واحتاجت الدولة إلى من يضبط الأمر، فاستعان الخليفة المستنصر ببدر الجمالي والي عكا، وكان من أصل أرمني، فأقبل وتولى الأمور، وأظهر كفاية عظيمة، وضرب على أيدي الجند، وساعفته المقادير، فتحسنت حالة الفيضان، وبدأت البلاد تخرج بفضل حزمه وإدارته الرشيدة من الهاوية التي تردت فيها.
بيد أن الخلافة الفاطمية أخذت تتلاشى شيئا فشيئا؛ فقد انتقل السلطان بصورة نهائية إلى الوزير ومن يستعين بهم في ضبط الأمور، وتعاقب الوزراء على السلطان واتخذوا لقب الوزراء العظام، وأولهم الأفضل بن بدر الجمالي وآخرهم صلاح الدين يوسف بن أيوب.
وكان معظم أولئك الوزراء على جانب كبير من المهارة والقدرة، ولكن أكبر جانب من اهتمامهم كان منصرفا إلى المحافظة على مراكزهم بالاستكثار من الجند المرتزقة، وإرهاق الأهالي بالضرائب حتى يستطيع دفع رواتب الجنود، ووجد خلفاء الفاطميين بعد المستنصر أن سلطانهم قد تلاشى تماما، فمضوا يكيدون للوزراء ويدبرون المؤامرات للقضاء عليهم كما فعل الخليفة الآمر، إذ دبر اغتيال الأفضل بن بدر الجمالي، واستعان بنفر من الباطنية على ذلك، وتم اغتياله عام 515 / 1121 وتولى الوزارة بعده كبير المتآمرين المأمون البطالحي، واستمر النزاع بين الخلفاء والوزراء إلى آخر أيام الدولة الفاطمية، وقد خسر الخلفاء المعركة وفقدوا كل سلطان ابتداء من عهد الخليفة الظافر 544 / 1149-549 / 1154، بل إن أحدهم وهو طلائع بن رزيك اتخذ لنفسه لقب الملك الصالح، وهو أمر له دلالته.
وآخر خلفاء الفاطميين هو العاضد الذي بدأ حكمه باغتيال طلائع بن رزيك سنة 556 / 1161 وأقام مقامه أبا شجاع العادل، وفي سنة 558 / 1163 نازعة في الوزارة شاور والي الوجه القبلي وغلبه وقتله وتولى الأمر مكانه، ولم يدم له الأمر، إذ نافسه فيه ضرغام، وكان أميرا لفرقة من الجند تسمى البرقية، وطال النزاع بين الرجلين، فاستنجد شاور بنور الدين محمود واستنجد ضرغام بعموري ملك بيت المقدس، وانتهى الأمر باستيلاء نور الدين على مصر وتعيينه أسد الدين شيركوه وزيرا، فلما مات خلفه ابن أخيه صلاح الدين، فوزر لنور الدين السني وللعاضد الشيعي في وقت واحد، ولكنه تمكن بحسن سياسته من التخلص من العاضد، واستخلاص مصر لنفسه بعد موت نور الدين المبكر، وقد مات العاضد في سنة 567 / 1171 وبذلك انتهت الدولة الفاطمية وبدأت الدولة الأيوبية.
وتعتبر الدولة الأيوبية من أقصر الدول التي حكمت مصر عمرا، فلم تتعد مدة حكمها واحدا وثمانين عاما (567 / 1671-648 / 1250) ولكنها تعد من أخطرها شأنا، لأن الذي أنشأها كان صلاح الدين الأيوبي أعظم شخصية سياسية وعسكرية في تاريخ مصر الإسلامية، ولأنها نجحت في الخلاص بمصر والدولة الإسلامية عموما من أكبر خطر تهددها خلال هذه العصور وهو خطر الصليبيين.
كانت الدولة الأيوبية دولة عسكرية في طبيعتها ووظيفتها، وقد قامت للغرض الواحد الكبير الذي ذكرناه وانتهت بتلاشي الخطر، وقد دفعتها الظروف التي عاشت في ظلالها إلى طلب الجند بأي ثمن والاستكثار من المماليك، وخاصة في أيام سابع سلاطينها الصالح نجم الدين أيوب، فقد اشترى منهم آلافا أسكنهم بجزيرة الروضة فسموا لذلك بالبحريين، وكان من الطبيعي أن يحوزوا الدولة عندما ضعف أمر السلاطين، وهذا هو الذي حدث بعد موت الصالح نجم الدين أيوب ومقتل ابنه توران شاه، إذ عجزت عصمة الدين أم خليل شجر الدر عن مدافعة المماليك، فغلبها أيبك التركماني وتولى السلطنة سنة 648 / 1250، وبدأت بذلك دولة المماليك الأولى المعروفين بالمماليك البحرية وقد حكموا 136 سنة (648 / 1250-784 / 1382) وأعظمهم عز الدين أيبك وسيف الدين قطز وركن الدين بيبرس والمنصور سيف الدين قلاوون، وكان البحريون على الجملة قوادا عسكريين ممتازين وإداريين قادرين، وقد علا اسم مصر في أيامهم واتسعت إمبراطوريتها وزاد رخاؤها وأصبحت مركز العلوم والآداب في العالم الإسلامي كله.
وأعقب المماليك البحرية على ملك مصر مماليكهم المعروفون بالبرجية، وأولهم الملك الظاهر أبو سعيد برقوق وآخرهم طومان باي الثاني، وقد حكموا مصر 139 سنة من 784 / 1382 إلى 923 / 1517 وكانوا قادة عسكريين ممتازين، ولكنهم لم يظهروا أي كفاية إدارية أو مالية، وقد ضعفت مصر في أيامهم شيئا فشيئا، واضطربت ماليتها بعد تحول التجارة إلى رأس الرجاء الصالح، وأظهروا قصر نظر مخجل فيما يتعلق بموقفهم من الخطر العثماني، مما انتهى بسقوط مصر في أيدي الأتراك العثمانيين سنة 923 / 1517.
سائر الدول الإسلامية في أنحاء العالم
ولو أردنا ذكر الدولة الإسلامية التي نشأت في العالم لطال بنا الكلام، فنكتفي بجدول نبين فيه أسماء الدولة الإسلامية وعواصمها وعدد ملوك كل منها وسني ولايتهم، وإليك هو:
صفحه نامشخص