ومعدوما برياضة التأديب والبن متميزا بما فيه من خصائص الفضل هذه ، فكيف يتصور بأن يأتى منه أذى موجها لأحد أو لجماعة ، وقال الوزير فى الحال لكى يعتمد هذا الأمر منه يحفر فأرا ويظهره للهرة من بعيد وامتثل للأمر ، فلما رأت الهرة الفأر قفزت وألقت الشمعدان فتوسخت رؤوس ووجوه وملابس بعض حاضرى المجلس بالزيت ، وتوارى التاجر فى قصره خجلا ، فأمر الوزير أن يحضروه إليه وقال لا يوجد شك فى كياسة ولدك ولا فى تدريبك له ولكن مع أول ممارسة له سوف يفعل مثلما فعلت هذه الهرة المربية المهذبة المجربة ، والمثل المشهور.
لو لا العقول لكان أدنى ضيغم
أدنى إلى شرف من الإنسان (1)
ولو لم يكن للحسب والنسب فى الشرع والرسم رتبة لكان صاحب الشرع الذى علمه من شعاع نور عالم الغيب بخلاف سائر علوم أهل دنيا الكون والفساد قد أصدر فتوى ، انظر فى أى نصاب تضع ولدك فإن العرق دساس ، وآخر تخيروا لنطفكم.
إذن أصبح معلوما من جهة العقل ومن جهة الشرع أن حسب الناس له أثر عظيم ، وقليل الفضل يصادق على ذلك ، ولو أن الحقير بسبب قصور عقله وخساسة أصله يرى فيه عكس ذلك ، مثل الكلب الذى يقف على حافة مياه ويظن أن صورة القمر فى البئر ويتخيل من جهله أن محله وبرجه فوق القمر مع أن القمر فى الفلك ، فلا كان لأبناء الإصرار أن يحطموا عهدهم ويمينهم فى الوفاء والقناعة بسبب كثرة الأحقار ، فليس كل من يرى الكلب بالقلائد المصرية الأصيلة والفروة الطلية الرومية يشتهى أن يكون كلبا مثله ، الكلب كلب وان كانت قلادته صفر الدنانير أو حمر اليواقيت (2).
ومعروف أن السامرى صنع عجلا ذهبيا لكن لم يخرجه ذلك عن كون اسمه العجل الذهبى.
صفحه ۶۳