الأموال والمعاشرة ، ولم أترك ذلك فى قلبى ولست راغبا أن تكون لى صديقا قط ، وسأظل محبوسا فى الدنيا حتى يعلم الخلائق عدلى وليطلبوا منى ما يلزمهم من أجل صلاح المعاش ، وفلاح المعاد والتعفف عن الفساد ، ولأهديهم فلا يظنون ويتخيلون أننى مشغول بطلب الدنيا بالمخادعة والمخاتلة ، ولا يتوهمون ذلك حيلة منى طويلة ، إننى اعتزلت شهوات الدنيا وسكنت فيها إلى مكارمها وكان ذلك لغرض أننى إذا ما دعوت شخصا للرشد والحسنات والخير يستجيب لى ، فلا يرد نصيحتى بعصيان ، ومثلما كان والدك السعيد بعد تسعين عاما من العمر والملك ب " طبرستان" يتقبل كلامى بسمع القبول والإصغاء ، ولم يكن يتوهم فيه خللا قط ، وهدفى من ذلك أن أوضح لك أن نهجى وسيرتى ليست من رأيى ولا من صنعى فكيف تواتينى الجرأة بحيث أحرم فى الدين أمرا حلالا من نساء وشراب ولهو ، فكل من يحرم الحلال يكون شأنه كمن يحلل الحرام ، لكن هذه السنة والسيرة قد تلقيتها عن رجال كانوا أئمة الدين وأصحاب الرأى والكشف واليقين ، مثل فلان وفلان تلاميذ الشيوخ والحكماء المتقدمين على عهد" دارا" ، فقد رأوا هؤلاء المفاسد واستمعوا من السفهاء والسفلة إلى المحاورات والمشافهات ، وشاهدوا الإعراض وعدم الاكتراث من الجهال فى حق العلماء ، وراج الظن والتفريق وهجرة السيرة الإنسانية ، وانبعثت الطبيعة الحيوانية ، وخشيت أن يلحقهم عار الجهل بحال الناس وعدم العناية به ، حطموا القلب على الصخر وفروا من مكر الثعالب واستراحوا إلى نهج النمور وهجروا الدنيا كلية ورفضوا شهواتها التى لها تبعات كثيرة ، واستقبلوا مجاهدة النفس والصبر والتجلد على مقاسات تجرع كؤوس الحرمان ، وفضلوا هلاك النفس فى سبيل سلامة الروح.
ففى التوراة مسطور (هجران الجاهل قربة إلى الله عز وجل)
خص بإحسانك شخصين ، ولا يوجد فى الدنيا إنسان أتعس ولا أذل منهما :
أولاهما المدرك تماما بعقله الذى يبقى فى الدنيا ذليلا بين أكف الحمقى.
وثانيهما الملك الذى سقط لسوء حظه عن التاج والعرش فى البؤس والفقر.
صفحه ۳۲